المنصبان الأخيران ، فهو للإمام بعده أيضاً ، فهو بما أنّه خليفة النبي في منصب القضاء يفصل الخصومات ، وبما أنّه خليفته في القيادة الحكمية في أُمور الدين والدنيا يسعى في أن يوجّه الأُمة الإسلامية إلى أرقى المستويات في عامّة الجهات ، ويجب على الأُمّة إطاعته فيما يأمر وينهى.
يقول شيخ الأُمة المحقّق النائيني في أثره الخالدة «تنبيه الأُمّة وتنزيه الملّة» : فوّض إلى الحاكم الإسلامي وضع ما يراه لازماً من المقررات لمصلحة المجتمع وسدّ حاجاته في إطار القوانين الإسلامية. (١)
وعلى ضوء ما ذكرنا يتّضح موقف الاستصلاح في مجال التشريع للحكم الحكومي ، فهو أساس لأحكام حكوميّة ، في إدارة المجتمع ، وهو كلام صحيح ، قطع به الإمامية خصوصاً كلّ من يقول بولاية الفقيه.
مثلاً إذا رأى العالم أنّ المصلحة تقتضي فتح طريق ، أو شارع لصيانة نفوس المسلمين ، فقد فوّض إليه ذلك أن ينفذ ذلك في ضوء العدل والإنصاف كما له أن يجبر أصحاب الأراضي التي يمرّ بها الطريق ، على البيع ، بثمن رائج وبقيمة عادلة.
إذا اقتضت المصالح العامة فرض ضريبة على صنف خاص من الشعب ، أو على نوع من الأمتعة الوطنية والمستوردة من الخارج ، فله ذلك.
ووجه ذلك ، أنّ طبيعة الحكومة لا تنفك عن الأمر والنهي ، وإلّا لفاتت المصالح الكبيرة ، ووقعت الأُمة في أغوار المفاسد في مثل هذه الموارد ، فيكون الاستصلاح مبدأ للأمر والنهي والإيجاب والتحريم يدور على ملاك المصالح والمفاسد ، إلى حد لو انتفى الملاك لانتفى الحكم بانتفاء موضوعه.
__________________
(١) تنبيه الأُمة وتنزيه الملّة : ٩٧.