والمقصد المشتمل عليه هو تعظيم اسم الله تعالى الّذي جعله شاهداً عليه ليعمل ذلك العمل. فإذا ثقل عليه البر فتحيل للتفصِّي من يمينه بوجه يشبه البر ، فقد حصل مقصود الشارع من تهيّب اسم الله تعالى.
ثمّ مثّل لذلك بما ذكره القاضي أبو بكر ابن العربي في كتاب العواصم ، قال : «وكنت أُشاهد الإمام أبو بكر فخر الإسلام الشاشي في مجلسه بباب العامّة من دار الخلافة يأتيه السائل فيقول له : حلفت أن لا ألبس هذا الثوب ، فيأخذ من هدبته مقدار الإصبع ثمّ يقول له : البسه لا حنث عليك».
النوع الخامس : تحيّل لا ينافي مقصد الشارع أو هو يعين على تحصيل مقصده ولكن فيه إضاعة حقّ لآخر أو مفسدة أُخرى. مثل التحيّل على تطويل عدة المطلقة حين كان الطلاق لا نهاية له في صدر الإسلام.
فقد روى مالك في «الموطأ» من طريقين أنّ الرجل كان إذا طلق امرأته له أن يرتجعها قبل انقضاء عدتها ولو طلقها ألف مرّة ، فعمد رجل إلى امرأته وطلقها حتّى إذا شارفت انقضاء عدّتها راجعها ثمّ طلقها فأنزل الله قوله تعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) (١). (٢)
وحاصله : أنّ المحرّم هو النوع الأوّل والأخير ، فالأوّل لا يعوّض مقصد الشارع بمقصد شرعي آخر ، وأمّا الخامس ففيه إضاعة حقّ لآخر ، أو مفسدة ، وأمّا النوع الثاني أي ما يعطل أمراً مشروعاً ولكن ينقله إلى مشروع آخر ، أو ينتقل من مشروع إلى مشروع أخفّ ، أو ما لا يشمل الفعل معنى عظيماً سوى تعظيم اسم الله وكان الغرض حاصلاً في صورة التحيّل أيضاً والجميع جائز.
__________________
(١) (البقرة : ٢٢٩.)
(٢) مقاصد الشريعة الإسلامية : ٣٥٦ ٣٦٠.