أقول : أمّا الأوّل : أعني : تشريع بيع السلم ، فلم يكن منهياً عنه حتّى يرخّص النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) فيه ، وذلك لأنّ المنهي عنه هو قوله : «ولا بيع ما ليس عندك» (١) ، وهو ناظر إلى بيع العين الشخصية الّتي ليست في ملك البائع وإنّما يبيعها فضوليّاً ليشتريها من غيره ثمّ يدفعها إليه ، وأين هذا من بيع السلم؟!
فإنّ السلم عبارة عن ابتياع مال مضمون في ذمّة البائع إلى أجل معلوم بمال حاضر أو في حكمه ، والمبيع كلّي في ذمّته لا عين شخصيّة.
ولذلك اشترط الفقهاء فيه أُموراً منها ذكر الجنس والوصف ، لأنّه يختلف لأجلهما الثمن ، بخلاف العين الشخصية فإنّها محسوسة مشاهدة.
يقول ابن عباس : اشهد انّ السلف المضمون إلى أجل مسمّى قد أحلّه الله في كتابه وأذن فيه ، ثمّ قرأ قوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) (٢). (٣)
وبذلك يعلم أنّ عقد الاستصناع هو عقد مقابل مع أهل الصنعة على أن يعمل شيئاً لا صلة له بالنهي عن بيع ما ليس عندك.
وقد صرّح بما ذكرنا بعض فقهاء السنّة منهم :
ابن تيمية حيث قال : وأمّا قولهم «السلم على خلاف القياس» فقولهم هذا من جنس ما رووا عن النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) أنّه قال : «لا تبع ما ليس عندك» وأرخص في السلم. وهذا لم يرو في الحديث ، وإنّما هو من كلام بعض الفقهاء ، وذلك أنّهم قالوا : السلم بيع الإنسان ما ليس عنده ، فيكون مخالفاً للقياس.
__________________
(١) (بلوغ المرام : ١٦٢ برقم ٨٢٠. قال : ورواه الخمسة ، وروي أيضاً : «ولا تبع».)
(٢) (البقرة : ٢٨٢.)
(٣) مستدرك الحاكم : ٢٨٦ / ٢.