وأمّا ما استدلّ به على اعتبار عرف العقلاء بأنّ النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) أمضى ما سنّه عبد المطلب في دية الإنسان ، أو أمضى أنّ الدية على العاقلة ، فهو وإن كان صحيحاً ، لكنّه (صلىاللهعليهوآلهوسلم) في مقابل الأخذ بهذين ألغى عامّة الأعراف السائدة في الجاهلية وسننها ، وجعلها تحت قدميه واستثنى القليل منها ، فهو كان أشبه بالتخصيص الأكثر فالأكثر كما قال في خطبة حجة الوداع : «وإنّ دماء الجاهلية موضوعة ، وإنّ أوّل دم ابدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، وإنّ مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية والسعاية». (١)
على أنّه (صلىاللهعليهوآلهوسلم) لمّا كان عالماً بملاكات الأحكام حيث تعلّم من عند الله ما تعلّم على وجه وصف سبحانه علمه بالعظمة وقال : (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) (٢) ميّز الصالح عن غيره ، والصحيح عن الفاسد ، فأعطى ما هو لصالح الأُمّة وألغى ما كان فاسداً ومفسداً ، وأين علمه (صلىاللهعليهوآلهوسلم) من غيره الّذي وصفه الله سبحانه بقوله : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (٣)؟!
هذا كلّه يرجع إلى الاستدلال بإمضاء دية النفس أو كون الدية على العاقلة.
ثمّ إنّه استدلّ كما مرّ بإمضاء عادتين مع كونهما مخالفتين لأُصول الشرع ، ألا وهما :
١. أمضى النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) بيع السلم مع أنّه من أقسام بيع المعدوم.
٢. أمضى النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) بيع العرايا ، أي بيع الرطب على النخل بالتمر الجافّ ، مع أنّهما من المتجانسين اللّذين لا يجوز فيهما التفاضل ، مع وجوده في هذا النوع من البيع.
__________________
(١) (السيرة النبوية : ٦٠٣ / ٢ ٦٠٤ ؛ تحف العقول : ٢٩.)
(٢) (النساء : ١١٣.)
(٣) الإسراء : ٨٥.