ويطيب طعمه ، لأنّ له مادة». (١)
فإنّ قوله : «لأنّ له مادة» بما أنّه تعليل لقوله : «لا يفسده شيء» يكون حجّة في غير ماء البئر أيضاً ، فيشمل التعليل بعمومه ، ماء البئر ، وماء الحمام والعيون وصنبور الخزّان الكرّ وغيرها ، فلا ينجس الماء إذا كان له مادة ، فالعمل عندئذ بظاهر السنّة لا بالقياس ، فليس هناك أصل ولا فرع ولا انتقال من حكم الأصل إلى الفرع ، بل موضوع الحكم هو العلّة والفروع بأجمعها داخلة تحته دفعة واحدة.
وبعبارة أُخرى : يكون العمل بالملاك المنصوص ، عملاً بظاهر السنّة لا بالقياس ، وشأن المجتهد وعمله ليس إلّا تطبيق الضابطة الّتي أعطاها الشارع على جميع الموارد دفعة واحدة ، فليس هناك أصل ولا فرع ، ولا انتقال من حكم الأصل إلى الفرع ، بل موضوع الحكم هو العلّة والفروع بأجمعها داخلة تحتها.
وإن شئت قلت : هناك فرق بين استنباط الحكم عن طريق القياس وبين استنباط الحكم عن طريق تطبيق القاعدة المعطاة على مواردها.
ففي الأوّل أي استنباط الحكم عن طريق القياس يتحمّل المجتهد جُهداً في تخريج المناط ، ثمّ يجعل الموضوع الوارد في الدليل أصلاً ، والّذي يريد إلحاقه به فرعاً.
وأمّا الثاني فيكفي فيه فهم النصّ لغة بلا حاجة إلى الاجتهاد ، ولا إلى تخريج المناط ، فيكون النصّ دالاً على الحكمين بدلالة واحدة.
يقول سبحانه : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) (٢) دلّت الآية على وجوب الاعتزال في
__________________
(١) (وسائل الشيعة ١ ، الباب ١٤ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٦.)
(٢) البقرة : ٢٢٢.