لأنّا نقول : الإلزام قائم ، لأنّ الواحد منّا قد يؤمر بترك الشيء الذي لا يعرف له ضدا ، فلو أمرنا في ذلك الوقت بفعل ضده لكنّا قد أمرنا بفعل شيء لا نعرف ماهيّته ، فيكون ذلك تكليفا بالمحال. وإذا ثبت تكليف ما لا يطاق امتنع تعليل أفعاله تعالى بالمصالح.
[الوجه] الرابع : تخصيص خلق العالم بوقت حدوثه دون ما قبله وما بعده لا لغرض ، لانتفاء الوقت والزمان قبل العالم ، بل ليس إلّا (الله تعالى و) (١) العدم الصرف ، ويستحيل أن يحصل فيه وقت يكون منشأ للمصلحة وآخر للمفسدة.
الخامس : أنّ تقدير الأفلاك والكواكب والعناصر والجبال والبحار بمقاديرها المعيّنة لا يجوز أن يكون لمصلحة الخلق ، للعلم بأنّه لو زاد في مقدار الفلك [مقدار] جزء لا يتجزّأ لم يتغيّر بسببه شيء من مصلحة العباد ولا مفاسدهم.
السادس : أنّه [تعالى] خلق الكافر الفقير بحيث يكون في المحنة من أوّل عمره إلى آخره ، وفي الآخرة يكون معذّبا دائما مع أنّه تعالى يعلم في الأزل أنّه إذا خلقه وكلّفه بالإيمان لم يستفد من ذلك إلّا البلاء والمحنة ، فكيف يقال : إنّ ذلك مصلحة له؟!
السابع : أنّه تعالى خلق الخلق وركّب فيهم الشهوة والغضب حتى ربّما قتل بعضهم بعضا ، وفجر بعضهم ببعض ، وقد كان يقدر على خلقهم
__________________
(١) ما بين القوسين من المحصول : ٢ / ٣٤٠.