المطلب الثالث : في منع القياس في الأسباب
اختلف الناس في ذلك. فذهب أكثر الشافعية إلى جواز القياس في الأسباب ، ومنع منه أبو زيد (١) والحنفية ، وهو الحقّ. (٢)
مثاله : إثبات كون اللواط سببا للحد بالقياس على الزنا ؛ لأنّ قياس اللواط على الزنا في كونه موجبا للحد إن كان بقولنا : إنّ كون الزنا موجبا للحدّ ، لأجل وصف مشترك بينه وبين اللواط ، كان الموجب للحدّ هو ذلك المشترك ، فيخرج وصفا الزنا واللواط عن السببية ، لأنّ الحكم لما استند إلى القدر المشترك استحال استناده إلى خصوصية كلّ واحد منهما. فإذن : شرط القياس بقاء حكم الأصل ، والقياس في الأسباب ينافي بقاء حكم الأصل ، بخلاف القياس في الأحكام فإنّ ثبوت الحكم في الأصل لا ينافي التعليل بالمشترك. وإن كان لا بذلك بل قيل : إنّ كون الزنا موجبا للحد ليس لوصف مشترك بينه وبين اللواط ، استحال قياس اللواط عليه ، لانتفاء الجامع.
لا يقال : الجامع بين الوصفين لا يكون له تأثير في الحكم ، بل تأثيره
__________________
(١) هو أبو زيد عبد الله بن عمر بن عيسى الدبوسي ، نسبته إلى دبوسية وهي مدينة بين بخاري وسمرقند ؛ له مصنّفات منها : «تأسيس النظر ـ ط» فيما اختلف به الفقهاء أبو حنيفة وصاحباه ومالك والشافعي ، «الأسرار» في الأصول والفروع ، «تقويم الأدلّة» في الأصول ، وغيرها. توفّي في بخارى سنة ٤٣٠ ه عن عمر يناهز ٦٣ سنة. الأعلام : ٤ / ١٠٩.
(٢) وهو مختار الرازي في المحصول : ٢ / ٤٢١ ، المسألة الثالثة ، والآمدي في الإحكام : ٤ / ٦٧ ، المسألة الخامسة.