وهذا ليس بشيء ، لأنّ بعثة النبي الثاني لا تكون عبثا إذا علم الله تعالى أنّه يؤمن عندها ، وينتفع من لم ينتفع بالأولى.
ولو لم يكن الأمر أيضا كذلك ، كانت البعثة الثانية على سبيل ترادف الأدلّة على أمر واحد ، ولا يمكن نسبة نصب الأدلّة على شيء واحد إلى العبث.
ولا نسلّم وجوب النظر في معجزة كلّ نبي ، لأنّ ذلك يختلف ، فإن خاف المكلّف من الضرر لو لم ينظر وجب ، وإلّا فلا.
البحث الثالث : في حاله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد النبوة
اختلف الناس في ذلك فذهب جماهير المعتزلة والأشاعرة ، وكثير من الفقهاء إلى أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكن متعبّدا بشرع أحد. وهو مذهب السيّد المرتضى (١) وأكثر الإمامية. (٢)
ونقل عن أصحاب أبي حنيفة وأحمد بن حنبل في رواية وبعض الشافعية أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان متعبّدا بشرع من تقدّمه بطريق الوحي إليه ، لا من
__________________
(١) الذريعة إلى أصول الشريعة : ٢ / ٥٩٨.
(٢) قال الشيخ الطوسي في «عدّة الأصول» : ٢ / ٥٩٠ ـ ٥٩١ ؛ عندنا أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكن متعبّدا بشريعة من تقدّمه من الأنبياء ، لا قبل النبوّة ولا بعدها ، وأنّ جميع ما تعبّد به كان شرعا له. ويقول أصحابنا : إنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قبل البعثة كان يوحى إليه بأشياء تخصّه ، وكان يعمل بالوحي لا اتباعا لشريعة قبله ... ثم قال : والّذي يدلّ على ما ذهبنا إليه إجماع الفرقة المحقّة ، لأنّه لا اختلاف بينهم في ذلك ، وإجماعها حجّة. وللمزيد من الاطلاع راجع : قوانين الأصول للميرزا القمي : ٤٩٤.