جهة كتبهم المبدّلة ونقل أربابها. ثمّ اختلفوا فقال قوم : إنّه كان متعبدا بشرع إبراهيم ، وقيل : بشرع موسى وقيل شرع عيسى عليهمالسلام. (١)
والأصل في ذلك أنّ القائل بأنّه كان متعبّدا بشرع من قبله ، إن أراد أنّه تعالى كان يوحي إليه بمثل الأحكام الّتي أمر بها من قبله في كلّ الشرع ؛ فهو معلوم البطلان بالضرورة ، لأنّ شرعنا خالف شرع من تقدّمنا في كثير من الأحكام أو في بعضه ، وهو مسلم إجماعا ، لكن ذلك لا يقتضي إطلاق القول بأنّه متعبّد بشرع غيره ، لأنّ فيه إيهام التبعية لغيره ، وهو صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكن متّبعا لغيره ، بل كان أصلا في شرعه.
وإن أراد أنّه تعالى أمره بأخذ الأحكام من كتبهم والرجوع إلى أحكام من تقدّمه ممّا لم ينسخ فهو المتنازع. والحق خلافه لوجوه : (٢)
الأوّل : لو كان متعبّدا بشرع أحد لوجب أن يرجع في أحكام الحوادث النازلة إلى شرع المتبوع ، ولم يتوقّف فيما لم يسبق إليه الوحي فيه على نزوله عليه ، لكنّه لم يرجع في ذلك إلّا إلى ما يوحى إليه ، وإلّا لاشتهر ؛ ولأنّ عمر طالع ورقة من التوراة فغضب صلىاللهعليهوآلهوسلم وقال : «ألم آت بها بيضاء نقية ، لو كان أخي موسى حيا لما وسعه إلّا اتّباعي» (٣) وهذا يدلّ على أنّه لم يكن متعبّدا بشرع أحد.
__________________
(١) راجع الإحكام : ٤ / ١٤٧ ؛ المحصول : ١ / ٥١٩.
(٢) ذكرها الرازي في المحصول : ١ / ٥٢٠ ـ ٥٢٣.
(٣) تفسير الرازي : ٨ / ١٢٣ ؛ المغني : ٦ / ١٩٢. وورد هذا الحديث بتفاوت في المصادر التالية : دعوات الراوندي : ١٧٠ ح ٤٧٥ ؛ عوالي اللآلي : ٤ / ١٢١ ح ١٩٩ ؛ تفسير القرطبي : ١٣ / ٣٥٥ ؛ تفسير البيضاوي : ١ / ٣١١.