الفصل الرابع :
في المصالح المرسلة
قد عرفت فيما تقدّم حقيقة المصلحة وأقسامها في ذاتها ، وانقسامها باعتبار شهادة الشارع لها بالاعتبار وعدمه إلى أقسام ثلاثة (١) :
الأوّل : المعتبر وهو ما شهد الشرع باعتباره ، وهو المناسب الّذي تقدّم بيانه.
الثاني : ما شهد الشرع ببطلانه وإلغائه كقول العالم للملك لمّا جامع في نهار رمضان : عليك صوم شهرين متتابعين ، فلمّا أنكر عليه حيث لم يأمره بالإعتاق قال : لو أمرته بذلك يسهل عليه.
وهو باطل ، لأنّه حكم على خلاف حكم الله تعالى لمصلحة تخيّلها الإنسان بحسب رأيه. ثم إذا عرف ذلك من العلماء ارتفعت ثقة الملوك بفتاويهم ، وارتفع غرضهم من الانقياد إلى قولهم وامتثال الشرائع الحقّة.
الثالث : ما لم يشهد له نصّ بالاعتبار ، ولا الإلغاء وهو المناسب المرسل ، وقد سبق أنّ المناسبة إمّا أن تكون في محلّ الضرورة أو الحاجة
__________________
(١) ذكرها الرازي في المحصول : ٢ / ٥٧٨.