وقولكم : ثبوت حكمها معها دليل كونها علّة ؛ غلط ، لأنّ قولكم : «ثبوت حكمها» إضافة للحكم لا تثبت إلّا بعد قيام الدليل على كونها علّة ، فإذا لم تثبت لم يكن حكمها ، بل كان حكمه علّته ، واقترن بها. والاقتران لا يدلّ على الإضافة ، فقد يلازم الخمر لون وطعم يقترن به التحريم ، ويطرد وينعكس ، والعلّة الشدّة. واقترانه بما ليس بعلّة كاقتران الأحكام بطلوع كوكب وهبوب ريح.
وبالجملة فنصب العلّة مذهب يفتقر إلى دليل ، كوضع الحكم ، وكما لا يكفي في إثبات الحكم أنّه لا نقض عليه ، ولا مفسدة ، بل لا بدّ من دليل ، فكذلك العلّة.
البحث العاشر : في تنقيح المناط
قال الغزالي (١) : إلحاق المسكوت بالمنصوص قد يكون باستخراج الجامع ، وقد يكون بإلغاء الفارق فيقال : لا فرق بين الأصل والفرع إلّا كذا ، أو لا تأثير له في الحكم ، فيشتركان في الحكم ، وتسمّيه الحنفية بالاستدلال ، ويفرّقون بينه وبين القياس.
وهذا يمكن إيراده على وجهين (٢) :
الأوّل : أن يقال : هذا الحكم لا بدّ له من مؤثّر ، فإمّا المشترك أو المميّز. (٣)
__________________
(١) نقله عنه الرازي في المحصول : ٢ / ٣٥٨ ـ ٣٥٩.
(٢) ذكرهما الرازي في المحصول : ٢ / ٣٥٩.
(٣) يعني به : القدر المشترك بين الأصل والفرع ، أو القدر الّذي امتاز به ، الأصل عن الفرع.