لأنّ ذلك الوصف الآخر إن لم يكن متعدّيا إلى الفرع كان ما اعتبرناه أولى للأمر بالقياس ومن ضروراته تعليل حكم الأصل بعلّة متعدّية ، إلّا أن يذكر الخصم وصفا آخر متعديا إلى فرع آخر ، فهناك يحتاج المعلّل إلى الترجيح. وإن كان متعديا إلى الفرع لم يضرّ ، لأنّ المراد من العلّة هنا المعرّف ، وقيام معرف آخر لهذا الحكم لا يمنع من كون ما ذكرته معرّفا له.
وفيه نظر ، لأنّ مجرّد المقارنة لو دلّ على العلّيّة لزم الدور ، أو الترجيح من غير مرجّح ، أو تخلّف المدلول عن الدليل وهو على خلاف الأصل.
وأيضا ظنّ العلّيّة إنّما يحصل لو ظن انتفاء غيره من الأوصاف إمّا مع تجويزه فلا ، والمعلّل انتهض (١) لإثبات المدلول ولا يتمّ إلّا بنفي المعارض وإبطال مثال الدهن لا يقتضي إزالة الشياع لإمكان غيره.
قال : والأمر بالقياس لو سلم فإنّما يتمّ مع وجود الشرائط الّتي من جملتها التعليل بالوصف المتعدّي ، فلا يجوز جعله مقدّمة في المطلوب.
قال الغزالي (٢) ونعم ما قال : معنى الطرد سلامته عن المفسد واحد وهو النقض ، وذلك لا يقتضي صحّة التعليل ، وهو كقول القائل : زيد عالم ، لأنّه لا دليل يفسد دعوى علمه. ويعارضه أنّه جاهل ، لأنّه لا دليل يفسد دعوى جهله. والحقّ أنّه لا يعلم كونه عالما بانتفاء دليل الجهل ، ولا كونه جاهلا بانتفاء دليل العلم ، بل يتوقف فيه إلى ظهور الدليل ، وكذا الصحّة والفساد.
__________________
(١) في «أ» و «ب» : انتقض.
(٢) المستصفى من علم الأصول : ٢ / ٣١٤ ـ ٣١٥ ، المسلك الثاني.