منهيا عن قتل النّفس إلّا انه يكون معاقبا عليه وهكذا ففي المقام أيضا لا يكون امر ولا نهي ولكنّ العقاب ثابت على التقديرين ، فالعقل حينئذ من باب الإرشاد يلزم العبد بالخروج واختيار أقل المحذورين ، نظير ما إذا وقع أحد من السطح ودار الأمر بين ان يقع على رأس مؤمن أو كافر محقون الدم وكان متمكنا من اختيار أحد الأمرين ، فانّ العقل يلزمه إلى اختيار الثاني ، ولا يستلزم ذلك كون أقل المحذورين محبوبا أو مأمورا به ، مثلا لو فرضنا انّ امر الإنسان دار بين ان ينام في محل يؤذيه البق أو ينام في محل يلدغه العقرب ، فالعقل يلزمه باختيار الأول مع انه ليس بمحبوب له أصلا.
وبالجملة : امّا القول بأنّ الخروج منهي عنه بالفعل ، ففيه : انّ النهي عن كل ما يتمكن منه المكلف من الخروج والبقاء ، والمشي الزائد يكون تكليفا بما لا يطاق ، وبعبارة أخرى : النهي عن جميع ذلك مع كون المكلف مضطرا إلى الجامع بينها تكليف بغير المقدور ، وكون ذلك مسببا عن سوء اختيار العبد لا يجوز ذلك.
وامّا الثاني : أعني كونه محكوما بالوجوب وبالحرمة بالفعل فمضافا إلى كونه تكليفا بما لا يطاق مستلزم لاجتماع الحكمين في موضوع واحد بعنوان واحد ، وهو أيضا محال ، وثالثا : انّ الأمر لا مقتضى له كما سنثبته.
وامّا القول الثالث : وهو كونه محكوما بالوجوب مع إجراء حكم المعصية عليه كما اختاره في الفصول ففيه : مضافا إلى انّ الأمر لا مقتضى له انّ النهي عن شيء في زمان والأمر به في زمان آخر مما لا يجتمعان بالإضافة إلى المولى الحكيم الملتفت ، فانّ الفعل ان كان فيه المصلحة محضا أو غالبة على المفسدة فلا بدّ وان يأمر به المولى في جميع الأزمان ، ولو انعكس انعكس. فبقي قولان آخران.
أحدهما : ان يكون مأمورا به فقط من دون ان يكون فيه عقاب كما اختاره الشيخ.