ومن الواضح : الذي لا يتطرّق فيه الريب أن لا موطن للامكان الاحتمالي إلّا الوجدان السليم ، فهذا مرجع فيه بلا اقامة برهان وبينة وبلا تجشّم الاستدلال ، كما لا يخفى. وينبغي توضيح أمرين هنا :
الأوّل : هو الفرق بين البيّنة والبرهان.
الثاني : هو الفرق بين الوجدان والعقل.
امّا الفرق بين الأوّلين : فلأنّ البيّنة قد تفيد القطع واليقين وغالبا تفيد الظن كشهادة العدلين مثلا ، والبرهان سواء كان لميّا أم كان آنيّا يفيد القطع واليقين دائما.
وعليه انقدح ان ذكر البرهان بعد البينة من قبيل ذكر الخاص بعد العام أيضا.
وامّا الفرق بين العقل والوجدان فإنّ الأوّل يدرك الكليّات فقط ، ولقد قيل في تعريفه العقل جوهر مجرّد لا يتعلّق بالبدن بنحو تعلّق تدبّر وتصرّف مدرك للكليّات.
وان الثاني عبارة عن إحدى قوى الباطنية وهي خمسة : الواهمة ، والمتخيلة ، والحافظة ، والمتصرّفة ، والحس المشترك.
الأولى : تدرك المعاني الجزئية وهي للحيوان كلّا ، ولهذا تفر الغنم من الذئب والفأرة من القطة.
الثانية : المعاني الجزئية.
والرابعة : تتركّب الصورة مع الصورة الاخرى ، وقد تتركّب المعاني مع المعاني الأخر ، وقد تتركّب الصور مع المعاني وهي فعالة دائما ، ولا تسكن طرفة عين أبدا. وتحوّل هذه القوى مدركاتها إلى الحافظة وهي تحوّل مدركاتها الى الحس المشترك للحفظ والضبط.
فالنتيجة : كلّ شيء يدرك بإحدى القوى الباطنية يقال له وجداني ، والجمع وجدانيات ، والوجداني يدرك بالوجدان بلا تكلّف إقامة البرهان ، إذ كل من راجع وجدانه يجده كالجوع والشبع والعطش والريان والفرح والحزن والعلم والجهل وو»