وعجائب الدوران فذره في بقعة الإمكان ما لم يذرك عنه واضح البرهان. وهو يدلّ على صحّة قول الشيخ الأنصاري قدسسره من الحكم بالإمكان عند الشك فيه والامتناع عنه لأنّ الشيخ بو علي رضى الله عنه أخبر عن سيرة العقلاء وهي بناءهم على الامكان في صورة الشك والترديد ، ولهذا أمر الشيخ الرئيس رضى الله عنه بوضع الشيء العجيب المقروع في السمع والسامعة في بقعة الامكان أي دائرة الامكان.
فأجاب المصنّف قدسسره :
قال في دفعه : ان الامكان في كلام الشيخ المذكور ، بمعنى الاحتمال أي كلّما قرع سمعك من عجائب الدوران فاحتمل وقوعه في الخارج على طبق ما قرع سمعك ما لم يمنعك عنه واضح البرهان ، وليس معنى قوله : كلّما قرع سمعك من الغرائب والعجائب فاحكم بأنّه أمر ممكن مع الشك في الامكان والامتناع واقعا.
فالنتيجة : ان قول الشيخ الرئيس رضى الله عنه أجنبي عن مدعى الشيخ الأنصاري قدسسره ، ولا يخفى عليك ان الاحتمال يقابل للقطع والايقان كما ان الوهم يقابل الظن.
وامّا الفرق بين القطع واليقين ؛ فان الأوّل عبارة عن الاعتقاد الجازم سواء كان مطابقا للواقع أم كان مخالفا له ؛ فيشمل اليقين والجهل المركب ، وان الثاني عبارة عن الاعتقاد الجازم أي عن الاعتقاد القلبي الذي وصل إلى حدّ الجزم بحيث لا يقبل التشكيك أصلا وكان مطابقا للواقع ، ولهذا يعتبر هذا اليقين في أصول الدين.
وفي ضوء هذا : فقد ظهر لك ان ذكر الايقان بعد القطع في كلام المصنّف قدسسره من قبيل ذكر الخاص بعد العام كما هو متعارف عند الفصحاء والبلغاء ، فالاحتمال والامكان الاحتمالي مقابلان للقطع واليقين.
امّا بخلاف الإمكان الذاتي والإمكان الوقوعي الذي هو أخصّ مطلقا من الامكان الذاتي فانّهما مقابلان للوجوب الذاتي والامتناع الذاتي ، الأوّل : كواجب الوجود : وهو الله وحده. الثاني : كشريك الباري عزّ اسمه.