ومن القبح المذكور ينتزع عنوان التنجز والعذر ، فيقال : القطع منجز ، أو عذر ؛ ولا ريب في أنّ هناك أثر آخر ، وهو الانزجار والانبعاث عن الفعل وإلى الفعل. ويعبّر من هذا الأثر بالعمل على وفق القطع وبوجوب متابعته. ولا ريب في أنّ هذا الأثر مترتب على عنوان التنجز والعذر. وعليه فانقدح أنّ للقطع ثلاثة آثار :
الأوّل : وجوب موافقته وحرمة مخالفته.
الثاني : كونه منجزا للواقع عند الإصابة وعذرا عند الخطاء ، بشرط أن لا يكون خطائه تقصيريا مثلا إذا قطع بالحكم من طريق القياس مثلا بل كان قصوريا. كما إذا قطع به من السبب المتعارف كالاخبار مثلا.
الثالث : الانزجار عن الفعل إذا قطع القاطع بحرمة شيء كما إذا قطع بحرمة عصير العنب مثلا ، والانبعاث إلى الفعل كما إذا قطع بوجوب شيء ، كما إذا قطع بوجوب الإقامة في الصلاة المكتوبة مثلا. ولكن هي مختلفة ذاتا وماهية ؛ لأن الأوّل ذاتي وهو لا يعلل ، والثاني عقلي ، والثالث فطري جبلي لا يتوقف على القول بالتحسين والتقبيح العقليين ، إذ هو بمناط دفع الضرر المقطوع به ، وهو مسلّم بين القائلين بالتحسين والتقبيح العقليين وغيرهم كالأشاعرة ، ولهذا ترى العقلاء والمجانين بل الحيوانات إذا أدركوا الضرر فلا يوقعوا أنفسهم فيه بل يفرّون منه كما تفر الحيوانات عن السباع. فالمكلّف إذا قطع بالحكم الشرعي ، أو أدرك عقله حسن العقاب على مخالفة القطع انقاد بحسب طبعه وجبلته إلى القطع وتابعة وجرى على مقتضاه فوجوب العمل على وفق القطع من الفطريات.
وفي ضوء هذا : فلا حاجة هذا المطلب إلى مزيد بيان وإقامة برهان لأنّ هذه الآثار يكون بعضها ذاتي ، وبعضها عقلي ، وبعضها فطري جبليّ ، كما ذكر هذا آنفا. فصار القطع مثل القضايا التي تكون قياساتها معها ، نحو الأربعة زوج.