التصوّر والترجيح لأحدهما على الآخر على ترك الشرب إذا أراد فعله وهذا المقدار من القدرة يكفي في اختيارية بعض المقدّمات وفي مناط استحقاق الثواب والعقاب ، كما لا يخفى ، فمقدّمات اختيار فعل الشيء أربعة :
أوّلها : خطور الشيء في النفس.
وثانيها : الميل إليه ، وهما أمران قهريان خارجان عن تحت الاختيار والقدرة.
وثالثها : الجزم وهو أمر اختياري لإمكان التأمّل والتفكّر فيما يترتّب على الفعل من اللوم والذم والعقاب فيصرف النفس عنه ويمنع ذلك التأمّل عن وصول الميل إلى حدّ الجزم والتصديق بالفائدة وعن الشوق الأكيد المستتبع لحركة العضلات نحو الفعل وجانبه.
ورابعها : الشوق الأكيد المذكور آنفا.
الثاني : ان استحقاق العقاب ، وحسن المؤاخذة إنّما يكونان من جهة البعد ، والبعد عن ساحة المولى من جهة تجرّيه عليه ومن جهة قصد المعصية ، والتجري من سوء سريرته وخبث باطنه وهما ذاتيان ، والذاتي لا يعلّل ، كما تقدّم في مبحث الطلب والإرادة مفصّلا في الجزء الأوّل.
كما ان استحقاق العقاب في المعصية الحقيقية يكون من جهة البعد عن ساحة المولى بسبب الاتيان بالمعصية ولكن المنشأ والسبب سوء السريرة وخبث الطينة وهو ذاتي ومسبب عن نقصان مرتبة الوجود.
ولا شك في أن مراتب وجود الموجودات العلوية والسفلية مختلفة وبحسب اختلاف مراتب الوجود تختلف الاستعدادات واختلاف مراتب الوجود يوجب حسن السريرة وطيب الطينة وسوء السريرة وخبث الطينة.
فالأوّل : يوجب اختيار الحسنات.
والثاني : يوجب اختيار السيئات ، فلما كان الوجود بجميع مراتبه المختلفة