يلازم الظن بالعقوبة على مخالفة الظن المذكور تركا ، أو فعلا والظن بالمفسدة في مخالفة الظن بناء على تبعية الأحكام الالهية للمصالح والمفاسد ، كما هو الحق ، إذ في ترك الواجب المظنون مفسدة مظنونة كما ان في فعل الحرام المظنون مفسدة مظنونة أيضا.
وأما توضيح الكبرى فلاستقلال العقل بدفع الضرر المظنون ولو لم نقل بالتحسين والتقبيح العقليين ، إذ قد عرفت سابقا ان وجوب دفع الضرر ليس من الأحكام العقلية بل هو من الفطريات التي جبلت عليها النفوس ، إذ لا ريب في بناء من له أدنى شعور وإدراك على الفرار من الضرر والاضرار حتى الحيوانات والأطفال في مبدأ نشئهم وإدراكهم والوجدان أقوى شاهد على هذا المطلب.
والظاهر انه لا فرق بين دفع الضرر وجلب النفع لكون الحيوان دافعا للضرر من نفسه ومن ، أولاده وجالبا للنفع إلى نفسه وإلى أبنائه والمراد من كونه من الفطريات أنه إذا أدرك الفاعل المختار الضرر في شيء ، رجّح عدمه على وجوده وتعلقت كراهته به فيفر عنه من دون توسط إدراك العقل حس الفرار من الضرر ، كما يفر الغنم من الذئب ، والفأرة من الهرّة.
وكذا إذا أدرك المنفعة في شيء رجّح وجوده على عدمه وتعلقت إرادته به من دون توسط حكم العقل بحسنه فوجوب الفرار عن الضرر ووجوب السعي إلى جلب النفع إنما هما يكونان بملاك وجوب تحصيل الغرض حيث ان الغرض دفع الضرر وجلب النفع لا بملاك الحسن والقبح العقليين كما قالت العدلية والمعتزلة بالحسن العقلي والقبح العقلي. وأما الأشاعرة فقد أنكرهما وقال الحسن ما حسّنه الشارع المقدس والقبيح ما قبّحه الشارع المقدس فلو قلنا بمقالة الأشاعرة لوجب دفع الضرر المظنون لوضوح أن ملاك حكم العقل لا ينحصر بالتحسين والتقبيح العقليين فلا ارتباط وجودا ولا عدما بين مسألة التحسين والتقبيح العقليين.