يحتاج إلى العلّة والمؤثر ، إذ ليس وجوده ولا عدمه بضرورين كي لا يحتاج كلّ واحد منهما إلى العلّة بل الوجود والعدم بالنسبة إليه على حدّ السواء ، ككفي الميزان.
ونظير القضايا الضرورية نحو الإنسان حيوان ناطق بالضرورة ؛ ولا شيء من الإنسان بحجر بالضرورة فليس للسؤال بلم مورد لأنّ الحيوان جزء ماهية الإنسان وكذا الناطق وثبوت الجزء للكل سواء كان عقليّا ، كالجنس والفصل للشيء ، أم كان خارجيا ، كالرقبة والرأس للإنسان ضروري لا يحتاج إلى ذكر العلّة وبيان السبب.
فكذا قضيّة هذا العبد متجري على مولاه.
وذاك العبد منقاد لمولاه ، وهذا كافر ، وهذا عاص حرفا بحرف ، إذ العصيان مسبوق بالتجرّي على مولاه والتجرّي مسبب عن سوء السريرة وهو مثل حيوانية الإنسان وناطقيته ذاتي ونقص وجودي لا ينفك عنه.
وبالجملة تفاوت أفراد الإنسان من لحاظ القرب والبعد بساحة المولى وعن ساحته تعالى يوجب لاختلافها في استحقاق بعضها الجنّة ودرجاتها. وفي استحقاق بعضها الآخر النار ودركاتها ، ويجب لتفاوت بعضها في نيل شفاعة الشافعين يوم الآخرة وبعضها الآخر في عدم نيل الشفاعة ولكن تفاوت أفراد الإنس والجن في الأمر المذكور يكون ذاتيا ، والذاتي لا يعلّل ، فإنّ السؤال عن الذاتي يساوق السؤال عن الإنسان لم يكون ناطقا. والحمار لم يكون ناهقا. امّا بخلاف العرضي فإنّه يعلل أي يحتاج إلى ذكر العلّة ، مثلا إذا قيل الإنسان ضاحك فهو يحتاج إلى البرهان وإلى بيان العلّة ، ولهذا يقال لأنّه متعجب. وكل متعجّب ضاحك ، فهذا ضاحك ، وكذا إذا قيل الإنسان ماش لأنّه حيوان : وكل حيوان ماش ، فهذا ماش.
امّا بخلاف ما إذا قيل الله واجب الوجود ، أو قيل الإنسان حيوان ناطق فإنّه لا يحتاج إلى البرهان وإلى ذكر العلّة لأنّ الحيوانية والناطقية جزءان للماهية الإنسان عقلا ، وثبوت الجزء للكل ضروري ، وثبوت الجنس والفصل للماهية ضروري.