وجوب تحصيل الظن فيما يجب معرفته مع الامكان شرعا إذا عجز المكلف عن تحصيل العلم والمعرفة ، بل الأدلة الدالة على النهي عن اتباع الظن من الآيات والروايات الناهيتين عنه تدل على عدم جواز تحصيل الظن في الأصل الاعتقادي إذا انسد فيه باب العلم ، إذ من الممكن أن يعتقد المكلف بما هو واقعه بقوله إني أعتقد بما هو ثابت في الواقع.
وهذا الاعتقاد الاجمالي يكفينا قطعا لتعذر الاعتقاد التفصيلي ، ولتعذر قيام البرهان العقلي مثل إقامة برهان التمانع وبرهان الفرجة مثلا على توحيد الباري جلّ جلاله ، وكإثبات وجود الواجب الوجود من طريق بطلان الدور ، أو التسلسل ومن استحالتهما عقلا لكثير من الأشخاص والمسلمين والمسلمات ، كما لا يخفى.
قوله : وقد انقدح من مطاوي ما ذكرنا إن القاصر يكون ...
والكلام فيه يقع في مقامات ثلاثة :
المقام الأول : في وجود الجاهل القاصر وعدمه.
المقام الثاني : في ترتب أحكام الكفر عليه كالنجاسة والمنع من الارث والتناكح وغيرها من الأحكام الفرعية التي تترتب على الكفر.
المقام الثالث : في استحقاقه العقاب في الآخرة وعدمه.
أما المقام الأول : فحق القول فيه إنه لا يوجد الجاهل القاصر بالنسبة إلى وجود الصانع تعالى ذكره ، إذ كل إنسان ذي شعور وعقل وإن كان في غاية قلة الاستعداد يدرك وجوده تعالى ويدرك نفسه ويدرك إنه حادث مسبوق بالعدم ويدرك إنه ليس بخالق نفسه بل له خالق غيره كما قال الله سبحانه : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ... لَيَقُولُنَّ اللهُ)(١).
وكذا الحال بالنسبة إلى توحيده فإن كل إنسان ذي شعور وعقل يدرك إن له
__________________
١ ـ سورة العنكبوت ، آية ٦١.