إلّا أنّ الجهل بالواقع لم يؤخذ في لسان دليل الأمارات. وهو قد أخذ في لسان دليل الاصول العملية نحو قول الصادق عليهالسلام : كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر. ونحو :
كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف أنّه حرام فتدعه. ونحو : الناس في سعة ما لا يعلمون. ونحو لا تنقض اليقين بالشك ولكن ينقضه بيقين آخر.
فمفاد الأوّل : كلّ شيء نظيف في صورة الجهل بالقذارة إلى أن تعلم بقذارته.
ومفاد الثاني : كلّ شيء حلال في صورة الجهل بالحرمة إلى أن تعرف حرمته.
ومفاد الثالث : الناس في وسع بالفعل والترك في صورة عدم علمهم بالحرمة والإباحة.
ومفاد الرابع : ليس الشك ببقاء الحكم ، أو ببقاء الموضوع في زمان اللاحق.
وذلك كعدالة زيد وفسقه وحياته مثلا ناقضا ليقين السابق ببقاء الحكم ، أو ليقين السابق ببقاء الموضوع.
فانقدح من هذا البيان الأخير فرق آخر بينهما وهو : أنّه أخذ في لسان دليل الاصول العملية الشك في بقاء الحكم وفي بقاء الموضوع إذا كان الاستصحاب من الاصول العملية. أمّا بخلاف الأمارات فلأنّه لم يؤخذ الجهل بالواقع في لسان دليلها ولا الشك فيه. إذ لم يقل الشارع المقدّس للمكلّف إذا كنت جاهلا بالواقع ، أو شاكّا فيه فاعمل بخبر العدل ، أو الثقة ، أو اليد ، أو البيّنة ، بخلاف الاصول العملية فإنّ المولى قال إذا كنت جاهلا بالواقع فأنت في وسع ، فأنت بريء الذّمة من الفعل ، أو الترك ، وإذا كنت جاهلا بالبقاء والزوال فاستصحب أي ابق ما كان على ما كان.
وأمّا الفرق بين الأمارات والطرق فالطرق عبارة عن الحجج المثبتة للأحكام الكليّة ، وتلك كالأخبار المعتبرة والإجماع المحصّل. والأمارات عبارة عن الحجج المثبتة للموضوعات الخارجيّة (وتلك) كاليد والبيّنة واليمين مثلا ؛ لأنّ الأوّل مثبت