فيه بلفظ الجمع فعبارة عن الرحمة ، كقوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً)(١) ، وقوله في الجمع : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ)(٢) انتهى. قلت : إن عنى بقوله : بلفظ الواحد من غير أن يجوز فيه الجمع فصحيح ، وإن عنى غير ذلك فليس بصحيح لأنه قد قرئ في مواضع من القرآن كثيرة بالإفراد والجمع في مواضع الرّحمة على ما بيّنّاه. وبيّنّا توجيه ذلك وخلاف القراء فيه في غير هذا الموضوع. وجرت عادة الناس أن يقولوا : الرّيح في العذاب والرياح في الرحمة ، وهذا مردود بما ذكرته من القرآن. ويؤيّدون مقالتهم هذه بقوله عليه الصلاة والسّلام : «اللهمّ اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا» (٣) وجوابهم أنه عليه الصلاة والسّلام ، أراد الريح المفرّق التي لم يجمع البتّة ، كما نبّهنا عليه آنفا.
وأصل ياء الريح واو لقولهم ، في الجمع ، أرواح (٤) ؛ قالت ميسون بنت بجدل امرأة معاوية (٥) : [من الوافر]
لبيت تخفق الأرواح فيه |
|
أحبّ إليّ من قصر منيف |
وأصل رياح أيضا رواح ، ولحّنوا من قال الأرياح. وقد ادّعى بعضهم سماعه ، ولا يصحّ. ويستعار الرّيح للغلبة لقوله تعالى : (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)(٦). ومن كلامهم : كانت لفلان الريح.
وأروح الماء : تغيّرت ريحه ، واختصّ ذلك بالنّتن. وريح الغدير : أصابته الريح (٧). وأراحوا : دخلوا في الرّواح (٨). وأراح ماشيته : إذا جاء وقت الرّواح. والمروحة : مهبّ
__________________
(١) ١٩ القمر : ٥٤.
(٢) ٤٦ الروم : ٣٠.
(٣) النهاية : ٢ ٢٧٢. والعرب تقول : لا تلقح السحاب إلا من رياح مختلفة ؛ يريد : اجعلها لقاحا للسحاب ولا تجعلها عذابا.
(٤) صيرت ياؤها واوا لانكسار ما قبلها. وقال ابن منظور : وجمعها : رياح وأرواح.
(٥) مطلع لقصيدة اشتهرت بها ميسون بنت بجدل الكلبية ، وبعض أبياتها من شواهد النحويين (انظر شرح المفصل : ٧ ٢٥ والحاشية رقم ١).
(٦) ٤٦ الأنفال : ٨.
(٧) في الأصل : أصابته الغدير ، وهو خطأ من الناسخ.
(٨) وفي الأصل : الريح ، ولعل الصواب ما ذكرنا.