ولذلك قال : (بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ)(١) أي ينسب من يشاء من عباده إلى ذلك. ومن هذا قال تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)(٢) ، (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)(٣) ، فهذه ، والله ، التزكية.
وقوله : (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً)(٤) ، أي بركة وتطهيرا. وقوله : (غُلاماً زَكِيًّا)(٥) أي مباركا مطهرا منسوبا من لدنّ الله تعالى إلى ذلك. وأصل الزكيّ : زكيو ، فأعلّ بقلب الواو ياء ، وقيل : معناه زكّي بالخلقة ، وذلك عن طريق الاصطفاء بأن يجعل بعض عباده عالما طاهر الخلق لا يتعلّم من غيره ، وهذا دأب الأنبياء ، وبه استدلّ بعض المتصوفة على أنّ الفقير المجذوب أفضل من المربّى ، وقيل : معناه سيؤول إلى التزكية ، وفيه بشارة.
قوله : (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ)(٦) يجوز أن يريد شقيقة الصلاة ، أثنى عليهم بإخراجها كما أثنى عليهم بإقامة شقيقتها. ويجوز أن يريد الفاعلين ما يزكّون به أنفسهم قال الراغب (٧) : وليس قوله للزكاة مفعولا لقوله فاعلون ، بل اللام فيه للقصد وللعلّة. وتزكية الإنسان لنفسه ضربان : أحدهما بالقصد (٨) ، وذلك محمود ، وإليه نحا بقوله : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها)(٩) والثاني بالقول كتزكية العدل غيره ؛ وقد تقدّم أنه مذموم ، وهو تأديب لأنّ مدح الإنسان نفسه قبيح شرعا وعقلا حتّى قال الشاعر :
وما حسن أن يمدح المرء نفسه |
|
ولكنّ أخلاقا تذمّ وتمدح |
وقيل لحكيم : ما الذي لا يحسن وإنه كان حقا؟ فقال : مدح الإنسان نفسه. وقوله : (نَفْساً زَكِيَّةً)(١٠) وزاكية : أي طاهرة بريئة مما لا يوجب قتلها. قوله : (ما زَكى
__________________
(١) ٤٩ النساء : ٤.
(٢) ١٤٣ البقرة : ٢.
(٣) ١١٠ آل عمران : ٣.
(٤) ١٣ مريم : ١٩.
(٥) ١٩ مريم : ١٩.
(٦) ٤ المؤمنون : ٢٣.
(٧) المفردات : ٢١٤.
(٨) وفي المفردات : بالفعل ، وهو أصوب.
(٩) ٩ الشمس : ٩١.
(١٠) ٧٤ الكهف : ١٨.