يكون ذلك بالذات إن جعلنا ضمير الفاعل لجبريل أو محمد صلىاللهعليهوسلم. وقوله : (أَوْ أَدْنى)(١) أي أردأ. وقيل : إنّه مقلوب من أدون ، من الدّون وهو الرديء.
واعلم أنّ أدنى يطلق ويراد به الأصغر فيقابل بالأكبر نحو : ابنك أدنى منك. وتارة يراد به الأقلّ فيقابل بالأكبر نحو : (وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ)(٢). وتارة يراد به الأرذل فيقابل بالخير نحو : (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ)(٣). وتارة يراد به الأول ، ومن ذلك مقابلة مؤنثه بالآخرة نحو : الدنيا والآخرة ومنه : (خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ)(٤). وتارة يراد به الأقرب فيقابل بالأقصى كقوله تعالى في مؤنثه : (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى)(٥).
والدّنيا : مؤنثة تجمع على الدّنى (٦) نحو الكبر والفضل. ولا يستعمل إلا بأل غالبا ، وقد تحذف كقوله (٧) : [من الرجز]
في سعي دنيا طالما قد مدّت
وذلك لجريانها مجرى الجوامد. وقوله : (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ)(٨) أي أقرب لتقريبهم لتحرّي العدالة في إقامة الشهادة. قوله : (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ)(٩) متناول للأحوال التي في النشأة الأولى وما يكون في النشأة الآخرة. وخصّ الدّنيء بالحقير القدر ويقابل به السيد. وتأنّيت بين الأمرين. وأدنيت أحدهما من الآخر. وما
__________________
(١) ٩ النجم : ٥٣.
(٢) ٧ المجادلة : ٥٨.
(٣) ٦١ البقرة : ٢.
(٤) ١١ الحج : ٢٢.
(٥) ٤٢ الأنفال : ٨.
(٦) في الأصل : الدين ، يقصد : الكبرى والكبر ، والفضلى والفضل.
(٧) رجز للعجاج (ديوانه : ٢ ٤١٠) وفيه : من سعي. ومن شواهد ابن يعيش (شرح المفصل : ٦ ١٠٠) على استعمال (دنيا) بغير ألف ولام والقياس أن تكون بألف ولام.
(٨) ١٠٨ المائدة : ٥.
(٩) ٢١٩ و ٢٢٠ البقرة : ٢.