(اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي)(١) قرئ أمرا ومضارعا (٢) ، وقد بينّا ذلك في غير هذا. والشدّ يستعمل في العقد وفي البدن وفي قوى النّفس.
قوله تعالى : (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى)(٣) يعني به جبريل عليهالسلام. وذلك أنه قلب سبع مدائن ؛ حملها على ريشة من ريشه. قوله تعالى : (وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ)(٤) أي امنعها من الصرف والفهم عقوبة لهم حيث تعاموا بعد ما أبصروا ، وضلّوا بعدما تبيّن لهم طريق الهدى. قوله : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ)(٥) أي لبخيل ؛ والخير : المال. ومنه : (إِنْ تَرَكَ خَيْراً)(٦) فسّر بالمال ، وقد تقدّم. والمتشدّد أيضا : البخيل ، ومنه قول طرفة (٧) : [من الطويل]
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي |
|
عقيلة مال الفاحش المتشدّد |
وقيل : المعنى : وإنه لشديد حبّ الخير ، أي حبّه شديد. وهو تفسير معنى قوله : (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ)(٨) أي قوّيناه. قيل : إنه تداعى إليه رجلان فأوحي إليه بقتل أحدهما. فقال الرجل : لم أجن جناية تقتضي قتلي! فقال : بذلك أمرت. فقال الرجل : أما إني لم أقتل بهذه ، بل لأني قتلت أباه غيلة ، فهيب من حينئذ. وقيل : كان يحرس محرابه ثلاثون ألف مسلّح ، وكلّ ذلك بتقوية الله تعالى. وقال الراغب (٩) في قوله تعالى : (لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) : إنّ شديدا يجوز فيه أن يكون بمعنى مفعول ، كأنه شدّ كما يقال : غلّ عن الانفصال. وعلى هذا قالت اليهود : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ)(١٠). ويجوز أن يكون
__________________
(١) ٣١ طه : ٢٠.
(٢) قرئ «أشدد» بضم الألف. وقرأ ابن عامر والحسن «أشدد» (معاني القرآن للفراء : ٢ ١٧٨).
(٣) ٥ النجم : ٥٣.
(٤) ٨٨ يونس : ١٠.
(٥) ٨ العاديات : ١٠٠.
(٦) ١٨٠ البقرة : ٢ ، وانظر مادة : خ ي ر.
(٧) ديوانه : ٤٥. الاعتيام : الاختيار. الفاحش : البخيل.
(٨) ٢٠ ص : ٣٨. والآية وأوجه تفسيرها عن النبي داود (٤).
(٩) المفردات : ٢٥٦.
(١٠) ٦٤ المائدة : ٥.