ذلك. قال ابن الأنباريّ قد أنكر هذا رجل من أهل البصرة يعرف بأبي حاتم السّجستانيّ (١) معه تعدّ شديد وإقدام على الطّعن في السّلف. فحكيت ذلك لأحمد بن يحيى فقال : هذا من ضيق عطنه وقلّة معرفته ، أما سمعت قول ذي الرمّة (٢) : [من الطويل].
فأقسم لا أدري أجولان عبرة |
|
تجود بها العينان أحرى أم الصّبر؟ |
قال : قلت : وإن كان مصدرا ففيه الواو. فقال : فقد قالوا : وشكان ذا إهالة (٣). قلت : يعنون أنّ المصدر حقّه أن يجيء مفتوح العين كالصّوفان والنّزوان والجولان. والصفة مسكّنتها نحو غضبان وعطشان وسكران. فاستدلّ ثعلب بالبيت والشاهد. ومنه قوله : «أجولان» فسكّن عينه مع كونه مصدرا. فاعترض أبو بكر بأن فيه الواو ، يعني فقد يكون السكون لأجل حرف العلّة. فأجابه بأنه قد سكّن بعض الأسماء ، وإن لم يكن عينه واوا ، نحو : وشكان في المثالين المذكورين. وهذه الآية قد حققتها بدلائلها في «الدرّ المصون» و «العقد النّضيد» ، فعليك بالالتفات إليها فيهما.
وتقول العرب : مشنوء من يشنؤك ، أي مبغض من يبغضك. وأزد شنوءة من ذلك. وفي حديث عائشة رضي الله عنها : «عليكم بالمشنيئة النافعة التّلبينة» (٤). قال الهرويّ : يعني الحساء (٥). وقولها «التّلبين» تفسير لها ، وهي مفعولة من شنئت. قلت : كيف تكون مفعولة من شنئت؟ إذ لو كان كذلك لوجب أن يقال فيها مشنوءة مشروبة ، لأنّ أحرفها
__________________
(١) هو سهل بن محمد الجشمي السجستاني من كبار العلماء باللغة والشعر. من أهل البصرة كان المبرد يلازم القراءة عليه. وله مؤلفات عديدة. وتوفي سنة ٢٤٨ ه.
(٢) الديوان : ١ ٥٧٢. وروايته فيه :
فو الله ما أدري أجولان عبرة |
|
تجود بها العينان أحجى أم الصبر |
ورواية اللسان والتاج موافقة للنص.
(٣) مثل يضرب في سرعة وقوع الأمر ، ولمن يخبر بالشيء قبل أوانه. وهو في مجمع الأمثال (٢ ٣٦٧) : «وشكان ذا إذابة وحقنا». ونصب «إهالة» على الحال. والإهالة : ما أذبت من الشحم.
(٤) النهاية : ٢ ٥٠٣. وفي الأصل : التلبين ، والتصويب من النهاية.
(٥) وفي الأصل : الحنو ، ولعلها كما ذكرنا عن النهاية.