السواد ، حتى إنّ بعض البلاد لا يكون فيها إلا كذلك. وقوله : (فاقِعٌ)(١) هذا تابع لا معنى له غير ذلك ؛ يقال : أصفر فاقع ، أي خالص ، وأسود حالك وحائل ، وأبيض يقق ، وأحمر قان ، وأخضر ناصع ، وأزرق حطبانيّ ، كلّ ذلك بمعنى الخلوص. وقال الراغب : الصفرة بين السواد والبياض ، وهي إلى البياض أقرب ، ولذلك قد يعبّر عنها بالسواد. وقال الحسن : سوداء شديدة السواد. قال بعضهم : لا يقال في السواد : فاقع. قوله : (كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ) هو جمع أصفر [وليبيس البهمى](٢) صفار. والصّفير للصوت الكائن من الأشياء الخالية. قيل : ومن هذا صفر الإناء ، أي خلا ، لأنه إذ خلا سمع منه صفير من أجل الهواء ، ثم صار متعارفا في كلّ خال من الأبنية وغيرها. وفي الحديث : «إن يدهما صفراء» أي فارغتين.
وفي الحديث : «لا صفر ولا هامة ولا عدوى» (٣) الصّفر : تزعم العرب أنه حيّة في البطن إذا حصلت جاع الإنسان ، فإذا جاع آذته (٤). وتزعم أنها تعدي. والهامة تزعم العرب أنّ القتيل إذا قتل خرج منه طير يرفرف عليه ويقول : اسقوني اسقوني ، حتى يؤخذ بثأره فيسكن. والعدوى : أن يصيب الإنسان مثلما بالمبتلى. فنفى الشارع ذلك كلّه ، فإنّ المقادير بكفّ الإله. قال بعض الحكماء : سمي [خلوّ](٥) الجوف والعروق من الغذاء صفرا. ولما كانت تلك العروق الممتدة من الكبد إلى المعدة إذا لم تجد غذاء امتصّت أجزار المعدة ، اعتقدت جهلة العرب أنّ ذلك حية في البطن تعضّ الشّراسيف ، وعلى ذلك قال شاعرهم (٦) : [من البسيط]
ولا يعضّ على شرسوفه الصّفر
__________________
(١) ٦٩ البقرة : ٢.
(٢) التعريف منقول من المفردات ، والإضافة منه : ٢٨٣.
(٣) النهاية : ٣ ٣٥ ، مع تقديم العدوى.
(٤) ولقد نفى النبي صلىاللهعليهوسلم اعتقاد جهلة العرب بها. وقيل : أراد به النسيء وهو تأخير المحرّم إلى صفر.
(٥) إضافة من المفردات : ٢٨٣.
(٦) عجز لأعشى باهلة ، وصدره كما في اللسان ـ مادة صفر :
لا يتأرّى لما في القدر يرقبه