الظاهر دون الباطن فيقدّر أن ليس له العذاب الباطن. قوله تعالى : (إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ)(١) أي ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات على تقدير ركونك إلى ما استدعوك. وليس في هذا الخطاب غضّ منه عليه الصلاة والسّلام ولا نقص من مرتبته ولا وعيد له ، وإنما ذكره تعالى منة عليه بالتّثبيت بالنبوّة.
قوله : (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ)(٢) أي المتصدّقون ابتغاء وجه الله تعالى ، أولئك هم أصحاب التّضعيف أي زيادة الحساب لأنهم يجازون بالحسنة عشرة أمثالها ، ولا إضعاف أكثر من ذلك. يقال : أضعف الرجل فهو مضعف ، أي ذو أضعاف في الحسنات. قوله : (فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ)(٣) قال ابن الأنباريّ : يريد جزاء المضاعفة فألزم التضعيف التّوحيد لأن المصادر ليس سبيلها التثنية والجمع يزيدون مثله ، وإفراده لا بأس به ، إلا أن التثنية أحسن. قال أبو عبيدة : ضعف الشيء مثله ، وضعفاه مثلاه. وقوله : (يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ)(٤) يجعل إلى الشيء شيئان حتى يصير ثلاثة.
قلت : قد تقدّم حكاية ابن عرفة عنه في ذلك. وقوله : إنه لا يحبّه ، أي لا يختاره لقوله : (نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ) كما مرّ شرحه. وقال الأزهريّ : الضّعف في كلام العرب : المثل إلى ما زاد وليس بمقصور على مثلين فيكون ما قال أبو عبيدة صوابا بل جائز في كلام العرب أن نقول : هذا ضعفه ، أي مثلاه وثلاثة أمثاله ، لأنّ الضعف في الأصل زيادة غير محصورة. ألا ترى قوله تعالى : (فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا) لم يرد به مثلا ولا مثلين ولكنّه أراد بالضّعف الأضعاف وأولى الأشياء به أن يجعل عشرة أمثاله لقوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها)(٥) فأقلّ الضعف محصور وهو المثل وأكثره غير محصور. وإنّما أوسعت الكلام لاختلاف الناس فيه حتى اختلف الفقهاء في ما لو أوصى موص لزيد بضعف ما لابنه ما ذا يعطى ، ومذهبنا أنّ ضعف الشيء هو مثله ، وضعفاه هو مثلاه ، وهلمّ جرّا.
__________________
(١) ٧٥ الإسراء : ١٧.
(٢) ٣٩ الروم : ٣٠.
(٣) ٣٧ سبأ : ٣٤.
(٤) ٣٠ الأحزاب : ٣٣.
(٥) ١٢٠ الأنعام : ٦.