حديث عليّ رضي الله عنه : «ذكاة الأرض يبسها» (١) يعني إذا أصابتها نجاسة فجفّت طهرت. وقيل : هي إخراج الحرارة الغريزية وذلك أنّ مادة ذ ك وتدلّ على الحرارة. وأصلها من قولهم : ذكت النار تذكو أي اتّقدت. وذكّيتها أنا أوقدتها تذكية. ومنه قيل للشمس ذكاء لحرارتها. قال (٢) : [من الكامل]
ألقت ذكاء يمينها في كافر
وابن ذكاء : الصّبح ، قال (٣) : [من الرجز]
وابن ذكاء كامن في ستر
وذلك أنّهم يتصوّرون الصبح ابنا لها ، وتارة حاجبا لها (٤). وعبّر عن حدّة الفهم وسرعته بالذّكاء من قولهم : فلان شعلة نار ، وذهنه يتوقّد. فحقيقة تذكية الحيوان : إخراج الحرارة الغريزية. ويدلّ على هذا الاشتقاق قولهم في الميت : خامد وهامد ، وفي النار الهامدة : ميتة. وذكّى الرجل : أسنّ وحظي بالذكاء لكثرة رياضته وتجاربه. وبحسب هذا الاشتقاق لا يسمّى الشيخ مذكّيا إلّا إذا كان ذا تجارب ورياضات. ولمّا كانت التجارب والرياضات قلّما تستعمل إلا في الشيوخ لطول عمرهم استعمل الذكاء فيهم ، واستعمل في العتاق من الخيل المسانّ. وعلى هذا جرى قولهم : جري المذكّيات غلاب (٥).
__________________
(١) النهاية : ٢ ١٦٤ ، وفيه أن الحديث لمحمد بن علي.
(٢) عجز لثعلبة بن صعير المازنيّ يصف ظليما ونعامة ، وصدره كما في اللسان ـ مادة ذكا :
فتذكّرا ثقلا رثيدا ، بعدما
(٣) من شواهد اللسان في مادة ذكا ، وفيه (في كفر). وصدره :
فوردت قبل انبلاج الفجر
(٤) فقيل : حاجب الشمس.
(٥) جاء في هامش ح : «الذكاء في الأصل : التوقد والمراد في العرف والمعنى المجازي ، وهو سرعة الانتقال من المبادئ إلى المطالب. ابن كمال». وهو من غير خط الناسخ.