ر ح م :
قوله تعالى : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) قال ابن عباس : «هما اسمان رفيقان أحدهما أرفق من الآخر» يعني أنهما يدلّان على الرقّة والانعطاف في أصل اللغة ، ولكنهما بالنّسبة إلى الله تعالى كناية عن إنعامه وإحسانه على خلقه. وقيل : إنما حديث ابن عباس : «اسمان رقيقان أحدهما أرقّ من الآخر» من الرّقيق فغلط الراوي. والرّحمة : مأخوذة من الرّحم ، وذلك لأنّ الرحم منعطفة على ما فيها. والرحمن أبلغ من الرحيم ، ولذلك قيل (١) : رحمن الدنيا ورحيم الآخرة. لأنه في الدنيا يرحم المؤمن والكافر لإنعامه بالرزق والإفضال عليهم مؤمنهم وكافرهم. وفي الآخرة رحمته مختصّة بالمؤمنين. والرحمن مختص بالله تعالى ، ولا التفات إلى تسمية الملعون مسيلمة الكذاب بالرّحمان ولا إلى قول شاعره : [من البسيط]
وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا
وأما رحيم فيطلق على غيره. قال تعالى في صفة نبيّه بذلك : (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ)(٢) لمّا لم يبلغ في المبالغة درجة الرحمن. وقيل : إنما جمع بينهما لأنّ مسيلمة تسمّى بالرحمان ، وهذا فاسد لأنّ البسملة كانت قبل ظهور أمر مسيلمة. وقيل : هما بمعنى واحد كندمان ونديم. وقيل : الرحمان معرّب وأصله بالخاء المعجمة. ومنه قوله (٣) :
والرحمة : صفة ذات إن أريد بها إرادة الخير ، وصفة فعل إن أريد بها الإحسان والتّعطّف على الخلق. قوله : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ)(٤) أراد القرابات لأنهم يجمعهم رحم واحد. قوله : (وَأَقْرَبَ رُحْماً)(٥) أي رحما. يقال : رحم ورحم ورحمة (٦). ويعبّر بالرّحمة عن كلّ خير من رزق وغيره كقوله : (ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها)(٧). وكقوله : (وَلَئِنْ أَذَقْنَا
__________________
(١) في صفة الله تعالى.
(٢) ١٢٨ التوبة : ٩.
(٣) بياض في الأصل ، ولعله يريد بيت جرير ، مستفيدين من شروح اللسان ـ رحم :
أو تتركون إلى القسّين هجرتكم |
|
ومسحكم صلبهم رحمان قربانا |
(٤) ٧٥ الأنفال : ٨.
(٥) ٨١ الكهف : ١٨.
(٦) وفي الأصل : رحم. وتأتي بفتح الحاء وسكونها.
(٧) ٢٨ الإسراء : ١٧.