وانما قلنا باحتياجه الى المرجحات غالبا اخراجا له عن اللغوية لا اخذا بدعوى من يقول : بقبح الترجيح بلا مرجح ، لما عرفت فى مبحث الوضع من عدم قبح الترجيح بلا مرجح بل قد يكون متعينا احيانا ، كما لو تعلق غرض شخص بايجاد فرد من افراد الطبيعى وكانت الافراد متساوية كما اذا كان ظمآن وكانت لديه كئوس ماء متعددة متساوية من جميع الجهات افتراه يترك الجميع ويموت ظمأ خوفا من لزوم الترجيح بلا مرجح.
وبما ذكرناه ـ يجاب عن شبهة الفخر الرازى. بناء على الهيئة القديمة من ان الاجرام السماوية ، والكرة الارضية لما كانت محاطة بافلاك متعددة كالقمر ، وعطارد ، والزهرة. وكان وراء الجميع فلك الافلاك المسمى بالفلك الاطلس الذى ليس وراءه خلاء ، ولا ملاء وكان الترجيح بلا مرجح محالا. فلنا ان نقول : لما ذا كان الجدى فى جهة الشمال دون الجنوب ، ولما ذا كانت الشمس تطلع من المشرق ، وتغيب من المغرب فليكن الامر بالعكس وما شاكل هذه من الاشكالات.
والصحيح ان يقال : ان الترجيح بلا مرجح غير قبيح ، فان الاحتياج حيث تعلق بخلق اصل الكرة الارضية فخصوصياتها المعلومة لا تحتاج الى مرجح بعد ان كان الاحتياج متمحضا فى اصل الطبيعة. فاختيار الفرد بهذه الكيفية وان لم يشتمل على الخصوصية لا يلزم منه المحذور.
والخلاصة. ان الانسان اذا حصّل له شوق مؤكد فى نفسه نحو فعل من جهة ملائمة الطبع لذلك يعمل قدرته فى سبيل تحصيلة فيوجد الفعل بلا قهر عليه وهذا امر وجدانى ـ مثلا ـ لو تردد الشخص بين طريقين احدهما على يمينه وفيه ما تشهيه نفسه ، وثانيهما على يساره وفيه ما ينفر عنه طبعه لعدم ملائمته له فلا ريب اننا نجده يتخذ طريق اليمين مسلكا له