المعنى الحرفى إيجادى. إذ لا ينحصر امر المعنى بين الاخطار والايجاد ـ على نحو يكون انتفاء احدهما موجبا لتعين الآخر ـ فمن الممكن ان يكون هناك شق ثالث ، وصورة اخرى تغاير الاثنين.
بيان ذلك : ان الحروف وإن اوجبت الارتباط بين المعانى الاسمية بحيث لولاها اصبح الكلام مهملا إلا أن الربط الحاصل من الحروف ليس مستندا الى مجرد لفظة (فى) وما شاكلها ، وإنما من جهة كشف ذلك الحرف عن خصوصية ، تلك الخصوصية هى التى ربطت بين الكلمات. نعم الخصوصية المنكشفة بلفظة (فى) غير مستقلة فى عالم التصور ، وإنما تقوم بين امرين ، وهذا لا يستلزم ان تكون الحروف نفسها رابطة.
(وبعبارة اخرى) الحروف ليست معانيها اخطارية كالاسماء لانها لا تقبل الاستقلال تصورا. كما انها ليست بايجادية باعتبار كشفها عن خصوصية فى المعنى دون ايجادها لخصوصية فى اللفظ. اذن فهى برزخ بين الاثنين. ولاجل كشفها عن الخصوصية ـ التى تربط الكلام بعضه ببعض ـ امتنع ان تحل بعض الحروف محل بعضها ، لان الخصوصية التى تنكشف بواسطة (فى) غيرها المنكشفة بواسطة الباء ولو كانت سببا لايجاد الربط لصح قيام بعضها مقام البعض.
واما ما فرع عليه ـ قده ـ من ان عدم استقلالية المعانى الحرفية ـ بحسب المفهوم ـ اوجب ان يكون النظر إليها نظرا آليا ، فغير تام فان المعنى الحرفى ـ كما سبق ـ قد يلحظ استقلالا بنفسه بلا تبع شىء آخر. كما لو حل زيد فى بلد ، وعلمنا أنه سكن فى مكان ، ولكنه لا نعلم بخصوصيته فنسأل عن تلك الخصوصية التى هى مدلول الحرف فنقول : سكن زيد فى اى مكان؟ ولا ريب ان المنظور اليه حينئذ نفس الخصوصية مع العلم ببقية