الانسان ، بل مطلق الحيوان ، بطبعه وجبلته ، بل الوضع وسيط بين الامرين ، فان الله سبحانه وتعالى يلهم الانسان قوة النطق وفهم الالفاظ ، فينبعث ـ بتلك القوة التى منحها الله تعالى اياه ـ الى جعل الالفاظ للمعانى المعهودة طمعا فى تحصيل غرضه ، وهو التفهيم والتفاهم بين سائر افراد البشر ، كما دل عليه قوله تعالى : (الرَّحْمنُ ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ ، خَلَقَ الْإِنْسانَ ، عَلَّمَهُ الْبَيانَ) وعلى هذا نجد الاطفال ينبعثون ـ بدافع الالهام الالهى ـ الى التعبير عن مقاصدهم بالفاظ خاصة ، وهذا امر صادق يدل على ان الواضع للغات هو الله تبارك وتعالى ثم ايد (قده) مطلبه بامرين :
(الاول) ـ ان الالفاظ والمعانى من الكثرة بمكان لا يمكن ان يتصورها جماعة ، فضلا عن شخص واحد.
(الثانى) ـ لو كان هناك واضع مخصوص ، لنقل لنا التاريخ اسمه نقلا متواترا او آحادا ، مع ان التاريخ لم يحدثنا بذلك.
واما ما ورد على الالسنة من ان الواضع يعرب بن قحطان. فأمر ليس بثابت.
و (الجواب عن ذلك) ان ما ادعاه (قده) ـ من وجود امر متوسط بين التكوين والتشريع ـ غير ثابت ، إذ الموجود الخارجى إما أن يكون أمرا واقعيا لا يدور تحققه مدار الاعتبار ، فهو تكوينى. وإما ان يكون أمرا جعليا يدور مدار الاعتبار ممن بيده الاعتبار ، فهو تشريعى ، فالواسطة منتفية
واما دعوى الالهام فمسلّم ، كما جاء ، فى قوله تعالى : (عَلَّمَهُ الْبَيانَ) ولكنه غير مختص بالوضع ، بل يشمل امورا كثيرة : (منها) ـ ان الله تعالى يلهم الانسان ببناء دار له ليستقر فيها ، كما ويلهمه بحياكة ثوب له