فاذا دخلت (فى) على كلمة الدار فقد صارت علامة على ان فى مدخولها خصوصية وهى الوجود الاينى ـ بمعنى المكان ـ وهكذا الاعراب من هذه الجهة. فان زيدا مثلا قابل لان يصدر منه الفعل ، أو يقع عليه ، او ينتهى اليه الشىء ... الخ .. فاذا رفع فقد دل الرفع على أنه فاعل اذا تقدمه فعل ، ويكون الفعل صادرا منه لا واقعا عليه. فالحروف والاعراب قرائن على وجود خصوصية فى المدخول.
ولا يخفى ان هذا القول أشبه بالجمع بين المتناقضين ، بمعنى ان الحروف ليس لها معنى اصلا وانها للتزيين والتحسين فى الكلام بحيث يكون وجودها كالعدم ـ مثل بعض الحروف الزائدة كالباء الداخلة على خبر ليس وفاعل كفى ـ فلا يكون لوجودها أهمية فى الكلام وانها كالعدم ، ومعنى انها علامة دالة على خصوصية فى المقام ان الحروف لوجودها اثر فى الكلام بحيث لولاها لا نعدم المعنى ، أو تبدل الى معنى آخر ، كالاعراب فان له كمال لا اثر فى المعنى. فقولنا : ضرب زيد عمرا ـ يستفاد منه معنى غير ما يستفاد من جملة ضرب زيدا عمرو ـ فلازمه ان يكون للحروف معنى كالمعانى الاسمية من حيث اهميتها ، وليست خالية عن كل معنى.
وعلى كل تقدير فلا شبهة فى ان الحروف فى الكلام تدل على خصوصيات لم تكن تستفاد منه لو لا تلك الحروف. ولا ريب فى ان هذه الدلالة لا موجب لها الا الوضع ، فالحروف لها وضع لا محالة ، والكلام فعلا فى ما به تمتاز معانيها عن المعانى الاسمية ، فلا مجال للقول بان الحروف لا معنى لها وإنما هى علامات.
القول الثالث ـ ان المعانى الحرفية مغايرة للمعانى الاسمية فى ذاتها ، ولا بد من بيان الفارق بينهما ، وقد وقع الخلاف فى ذلك.