ان الاعراض تتوقف ـ فى وجودها ـ على وجود معروضاتها ، بخلاف الوضع ، فانه وان كان يعرض على متعلق ، إلا انه لا وجود له خارجا ، بل طبيعى اللفظ يوضع لطبيعى المعنى. اما اللفظ الخارجى فليس بموضوع للمعنى ، وإلا لا نعدم الوضع بانعدام ذلك الموجود ، بل ربما يوضع اللفظ لشىء لا وجود له : كالعنقاء ، أو يجعل لشىء مستحيل بحسب الوجود : كشريك البارى.
وكيف كان فالوضع ـ بحسب الحقيقة ـ ليس من قبيل الجواهر والاعراض ، بل هو من سنخ الملازمات العقلية غير القابلة للانفكاك. وهذه الملازمات العقلية من الامور الواقعية ، وهى سنخ من الوجودات التى يدركها العقل ، فلو قلنا : العدد إن كان زوجا فهو قابل للقسمة على المتساويين ، فالملازمة ـ بين الزوجية وقبول القسمة على المتساويين ـ امر واقعى وسنخ من الوجود يتعقله العقل ، والقضية الشرطية تصدق بصدق الملازمة وإن لم يكن طرفاها صادقين ، كالملازمة بين تعدد الآلهة والفساد فى قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا ...) ولكن هذه الملازمة العقلية (تارة) لا تنتهى الى جعل جاعل ، بل تكون موجودة وثابتة من الازل حتى النهاية : كالملازمات التكوينية ... و (اخرى) تنتهى الى جعل جاعل على نحو لم تكن ثابتة من البداية ازلا ، وإنما جعلت ابتداء فاصبحت ثابتة بين الامرين من حين جعلها ، وهى مع ذلك من الامور الواقعية.
اما الوضع فهو من قبيل الثانى ، حيث ان الواضع ـ قبل وضعه ـ تصور اللفظ مجردا عن المعنى ، وتصور المعنى من دون اللفظ ، وليس بين الاثنين ملازمة ، ثم بعد ذلك جعل ما تصوره من اللفظ على المعنى المتصور ، فاوجد علقة وربطا بينهما ، وصار كلما يطلق اللفظ فى مورد