حقيقة الوضع وبطلانها نقول :
إن الانسان لما كان محتاجا الى التفهيم والتفاهم بمقتضى طبيعة المجتمع الذى يعيش فيه ، كان مضطرا لان يخترع ما يسد به حاجته القائمة على اساس التفاهم ، ليتمكن من ابراز مقاصده ، وما يكنه فى قرارة نفسه من المعلومات التى يطلب ايصالها للآخرين ، فكانت الغاية المتوخاة من الوضع ليس إلا احضار المعانى امام المخاطبين. ومن البديهى ان الاشارة وإن كانت وسيلة للافهام إلا انها من العسر جدا ان تفى بالغرض الذى تتوقف عليه حياة الانسان الاجتماعية ، لاجل هذا اتخذ الانسان وسيلة اخرى اقصر من الاشارة ، واوفى بالمقصود. تلك هى الالفاظ ، فان الالفاظ تلقى المعنى امام السامع ، وتبرز مقصود المتكلم ، وهى وافية بجميع المقصود. فكان حالها كالاشارة من ناحية إفهام المقابل ؛ فكما ان المشير يمكنه ان يلفت نظر المخاطب الى ان المقصود من حركته هو المجيء ، كذلك اللافظ يمكنه ان يعبر بلفظ جاء للدلالة على هذا المعنى. غاية الامر الاشارة يمكن ان يلتفت اليها كل احد. بينما الالفاظ لا يلتفت اليها الا من اطلع على معاينها.
واذا اتضحت الفائدة والغاية من الوضع فنقول : الوضع حقيقته نفس القرار والاثبات والتعهد. فان كل فرد من اولئك الذين يتكلمون بلغة خاصة يتبانى مع جماعته ويأخذ عهدا على نفسه بانه متى ما تكلم بلفظ خاص فقد اراد منه معنى مخصوص ، لذا كان كل مستعمل واضعا باعتبار ان كل واحد من المستعملين قد اخذ عهدا على نفسه بهذا القرار. فاذا استعمل اللفظ فى مورد فقد جرى على طبق التزامه وتعهده. ومن قراره والتزامه هذا وتعهده على نفسه تنشأ العلقة الوضعية بين اللفظ والمعنى ،