ليلبسه ، فيتقى به من البرد مثلا وهكذا فى سائر الامور ، بل لا اختصاص فى ذلك بالبشر خاصة ، فان الحيوان يلهم فى افعاله ، وقد يكون إدراكه فى بعض الموارد ارقى من إدراك البشر : فالطفل الصغير قد لا يخشى من الحية حين يراها تمشى على الارض ، بخلاف الفارة ، فانها حين تجد هرة امامها تفر منها لتنقذ حياتها. وهذا إلهام الهى كما قال تعالى سبحانه : (الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى).
ثم إن الوضع وليد الحاجة بين طبقات البشر ، لغرض التفاهم وسير حركة الحياة ، وهو يختلف باختلاف الامم والزمان ومقدار الحاجة اليه ، فالمجتمع المتألف من افراد لم تدخل اليهم الحضارة هو مجتمع بدائى ينطوى على نفسه لا يحتاج الى الامور الاساسية من الحياة ، فهو يقتصر على اصطلاحات يضعها لنفسه تمشيا مع مقتضيات حاجاته الضيقة. اما المجتمع الحضارى الذى يتغير ويتطور مع الزمن ، فان أسباب المشاكل الاجتماعية والآلات الحضارية تقتضى ان يخلق ألفاظا واصطلاحات وتعاريف تتلاءم التطورات التى تقتضيها تلك التغيرات ، فلقد عثرت الدراسات على اطفال عاشوا مع الحيوانات ، فعند ما حاولوا دراستهم وطبيعة حياتهم رأوا انهم يمشون على اثنين ، ولكنهم لا ينطقون بلسان متعارف ، وإنما افترضوا لهم لغة خاصة لا يفهمها إلا من عاش عيشتهم. من هذا نستطيع ان نفهم ان المجتمع ـ لحاجته ـ هو الذى يضع الالفاظ المقتضية لطبيعة العصر ، لان الحاجة كما يقولون أم الاختراع ، فالبدوى ـ الذى يقضى حياته فى الصحراء ـ لا يحتاج إلا الى مجموعة خاصة من الالفاظ التى تتطلبها حياته البدوى ، بينما نرى الذى يعيش فى القرى والارياف اكثر حاجة من هذا البدوى واوسع لغة ، لتطور حياته نسبيا ، وهكذا كلما تطورت الحياة وتكثرت