إناء وافيا فى القيام بالغرض فهل تراه يمتنع عن الشرب ، ويعرض نفسه للخطر مدعيا ان إقدامه على واحد من الاوانى مستلزم للترجيح بلا مرجح ، او تراه يقدم على شرب ما فى الاناء بعد ان كان مضطرا الى فعل الجامع ، وهو شرب مطلق الماء الذى يتأتى حصوله بكل واحد من الاناءات؟ وضرورى ان العقل لا يرى قبحا فى ترجيح احد الامرين بعد اضطراره الى الى الجامع. وما نحن فيه كذلك ، فان الواضع حيث احتاج الى وضع طبيعى اللفظ لطبيعى المعنى لغرض التفاهم ، وكان كل لفظ قابلا للجعل ومحصلا للغرض ، فاختياره خصوص لفظ لا يستلزم الترجيح بلا مرجح ، وإن لم يكن فيه خصوصية. وعليه فالترجيح بلا مرجح ليس بمحال.
و (ثانيا) ـ انه على تقدير ان يكون الترجيح بلا مرجح محالا كالترجح بلا مرجح ، فلا نسلّم ان الترجيح الحاصل فى خصوص لفظ هو المناسبة الذاتية ، بل لعله شىء آخر من الامور الخارجية ، فلا يتم المدعى.
و (ثالثا) ـ ان الترجيح ـ على تقديره ـ إنما هو فى نفس الفعل دون المتعلق ، باعتبار ان عمل الواضع ينبغى ان يشتمل على الخصوصية ، مع انهم قالوا : إن الالفاظ مشتملة على المناسبة الذاتية لا نفس الوضع.
فالمتحصل مما تقدم ان دلالة الالفاظ على المعانى ليست ذاتية.
و (اما الجهة الثانية) وهى تعيين الواضع ـ فقد ذهب شيخنا الاستاذ المحقق النائينى (قده) الى ان الواضع لجميع لغات العالم هو الله تبارك وتعالى ، وليس هناك من البشر من تحمل عناء هذا الامر ومشقته. وقد اعتبر الوضع من الامور المتوسطة بين التكوين والتشريع ، فانه ليس من الامر التشريعية المتوقف إيصالها على إرسال رسل وانزال كتب ، ولا من التكوينية التى جبل البشر على إدراكها ، كالجوع والعطش وغيرهما مما يدركه