هذا كله بحسب الثبوت والواقع. واما بحسب الاثبات فهيئة الامر لا تدل الا على اعتبار شىء فى ذمة المكلف ، والمادة لا تدل الا على نفس الطبيعة ، ولازم ذلك الاتيان بالطبيعى مخيرا عقلا بين الفور والتراخى.
فلو شككنا فى اعتبار شىء زائد على ذلك فمقتضى الاصل اللفظى ـ وهو الاطلاق ـ عدم تقيد الواجب به ، كما وان مقتضى الاصل العملى ذلك ـ ايضا ـ حيث ان البراءة ترفع كل ما يحتمل تقيده فى الواجب من القيود الزائدة ، كالفورية ، والتراخى.
فظهر من هذا ان المكلف مخير عقلا فى التقديم والتأخير ، نعم حيث ان من الاحكام العقلية لزوم احراز الامتثال ، فاذا احتمل المكلف انه لو آخر العمل عن الزمن الاول فات الواجب منه ، كما اذا دخل وقت الظهرين واراد المكلف ان ينام ، واحتمل ان نومه يستمر حتى يفوت الواجب منه فلا ريب انه يجب عليه الاتيان بالعمل فعلا بحكم العقل ، نعم لو قام دليل خارجى بالخصوص على ان الواجب مقيد باحدهما فالمتبع ذلك الدليل ، وان لم يقم دليل بالخصوص على احدهما فهل الدليل العام يقتضى الفورية ، او التراخى؟
استدل القائل بالفورية بالآيتين الشريفتين : (سارعوا الى مغفرة من ربكم) ـ وقوله تعالى : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ). ببيان انّ المولى امر بالاستباق نحو الخير ، والمسارعة نحو المغفرة ، وذلك يقتضى الفورية فى كل وقت فلو أخر ذلك عن اول ازمنة الامكان ، ففى الآن الثانى لا بدّ من المسارعة ايضا ، ولا تسقط بمجرد التأخير عن الزمن الاول ، فثبت بهذا ان جميع الواجبات الشرعية تقتضى الفورية على نحو تعدد المطلوب.
و (غير خفى) ان الامر بالمسارعة والاستباق ليس مولويا ؛ بل