مراجعة كلماتهم لا تساعد على هذه النسبة ؛ بل تشهد بكذبها ، وأنها إنما تكون إما في مقام منع الملازمة بين حكم العقل بوجوب شيء ، وحكم الشرع بوجوبه ، كما ينادي به بأعلى صوته ما حكي عن السيد الصدر في باب الملازمة ، فراجع.
وإما في مقام عدم جواز الاعتماد على المقدمات العقلية ؛ لأنها لا تفيد إلا الظن ، كما هو صريح الشيخ المحدث الأمين الاسترابادي «رحمهالله» حيث قال ـ في جملة ما استدل به في فوائده على انحصار مدرك ما ليس من ضروريات الدين في السماع عن الصادقين «عليهمالسلام» ـ : «الرابع : أن كل مسلك غير ذلك المسلك يعني : التمسك بكلامهم «عليهم الصلاة والسلام» إنما يعتبر من حيث إفادته الظن بحكم الله تعالى ، وقد أثبتنا سابقا أنه لا اعتماد على الظن المتعلق بنفس أحكامه تعالى أو بنفيها».
وقال في جملتها أيضا بعد ذكر ما تفطن بزعمه من الدقيقة ما هذا لفظه : «وإذا عرفت ما مهدناه من المقدمة الدقيقة الشريفة ، فنقول : إن تمسكنا بكلامهم «عليهمالسلام» فقد عصمنا من الخطأ ، وإن تمسكنا بغيره لم نعصم عنه ومن المعلوم : أن العصمة عن الخطأ أمر مرغوب فيه شرعا وعقلا ، ألا ترى أن الإمامية استدلوا على وجوب العصمة بأنه لو لا العصمة للزم أمره تعالى عباده باتباع الخطأ ، وذلك الأمر محال ؛ لأنه قبيح ، وأنت إذا تأملت في هذا الدليل علمت أن مقتضاه أنه لا يجوز الاعتماد على الدليل الظني في أحكامه تعالى». انتهى موضع الحاجة من كلامه.
وما مهده من الدقيقة هو الذي نقله شيخنا العلامة ـ أعلى الله مقامه ـ في الرسالة وقال في فهرست فصولها أيضا : «الأول : في إبطال جواز التمسك بالاستنباطات الظنية في نفس أحكامه «تعالى شأنه» ، ووجوب التوقف عند فقد القطع (١) بحكم
______________________________________________________
بالاستنباطات الظنية في نفس أحكامه «تعالى شأنه» ...» (١) الخ.
(١) أي : مقتضى إطلاق القطع هو : اعتبار كل قطع تعلق بحكم الله تعالى ، سواء كان ناشئا من المقدمات العقلية أو من غيرها ، فالمستفاد من مجموع كلمات المحدث الاسترابادي : أنه كان في مقام إثبات عدم جواز الاعتماد على الظن في الأحكام الشرعية ، وأن عدم جواز الخوض في المقدمات العقلية لأجل عدم إفادتها إلا الظن الذي لا يجوز الركون إليه في الأحكام الإلهية ، وليس في مقام المنع عن حجية القطع بالحكم الشرعي الحاصل من المقدمات العقلية.
__________________
(١) الفوائد المدنية : ٣٢.