.................................................................................................
______________________________________________________
ثانيهما : خلو الواقع عن الحكم ، والمفروض : بطلانهما ، أما بطلان الأول : فلما قلنا : من عدم استتباع حجية الأمارة للحكم الشرعي.
وأما بطلان الثاني : فلوضوح : أن لكل واقعة حكما يشترك فيه العالم والجاهل. هذا تمام الكلام في منع الصغرى.
وأما منع الكبرى ـ وهي ما أشار إليه بقوله : ـ «أو غير باطل» فحاصله : أن تفويت المصلحة أو الإلقاء في المفسدة وإن كان يلزم من التعبد بالأمارة عند مخالفتها للواقع ، إلا إنه لا محذور فيه ، ولا يكون باطلا ؛ لأنه مع وجود المصلحة في التعبد بالأمارة يتدارك المصلحة الواقعية الفائتة ، أو المفسدة الملقى فيها ، نعم ؛ إذا لم يكن في التعبد بالأمارة مصلحة يتدارك بها المصلحة الفائتة أو المفسدة الملقى فيها كان المحذور المتقدم لازما.
وكيف كان ؛ فقد ذكر المصنف وجوها ثلاثة للتخلص عن المحاذير المتقدمة.
الوجه الأول : أن المجعول في مورد التعبد بالأمارة ليس حكما شرعيا تكليفيا ؛ بل المجعول هو الحجية من دون أن يكون هناك أيّ حكم ظاهري مجعول في موردها ، وأثر ذلك هو التنجيز والتعذير ، وعليه : فليس لدينا وجوبان ـ مثلا ـ أو وجوب وحرمة ولا مصلحة ولا مفسدة ولا إرادة وكراهة ؛ كي يلزم ما تقدم من المحذور الخطابي والملاكي معا ، أو المحذور الخطابي فقط ، أو الملاكي كذلك.
وأما محذور تفويت المصلحة أو الإلقاء في المفسدة : فيرتفع بوجود مصلحة في التعبد غالبة على مفسدة التفويت أو الإلقاء في المفسدة.
الوجه الثاني : أنه لو التزم بوجود حكم ظاهري تكليفي في موارد الأمارات ؛ إما بدعوى استتباع جعل الحجية لذلك ، أو بدعوى إنه لا معنى لجعل الحجية إلا جعل الحكم التكليفي ، بمعنى : أنها منتزعة عن الحكم التكليفي الظاهري ، فلا محذور أيضا وإن اجتمع الحكمان ، وذلك لأن الحكم الظاهري حكم طريقي ، بمعنى : أنه ناشئ عن مصلحة في نفسه أوجبت إنشاءه المستلزم للتنجيز والتعذير. والحكم الواقعي حكم فعلي ناشئ عن مصلحة في متعلقه.
ونظرا إلى اختلاف مركز المصلحتين في الحكمين لا يلزم اجتماع المثلين ولا اجتماع الضدين ؛ لأن تضاد الحكمين من جهة تضاد مبدئهما وهو الإرادة والكراهة والمصلحة والمفسدة ، والمفروض : أن ما فيه المصلحة في الحكم الظاهري نفس الحكم لا المتعلق الذي فيه المفسدة الموجبة للحكم الواقعي ، فمركز المصلحة والمفسدة مختلف ، وباختلافه