وأما الخامسة : فيمنع كون حمل الظاهر على ظاهره من التفسير ، فإنه كشف القناع ولا قناع للظاهر. ولو سلم فليس من التفسير بالرأي ؛ إذ الظاهر أن المراد بالرأي هو الاعتبار الظني الذي لا اعتبار به ، وإنما كان منه حمل اللفظ على خلاف ظاهره لرجحانه (١) بنظره ، أو حمل المجمل على محتمله بمجرد مساعدة ذاك الاعتبار عليه (٢) ، من دون (٣) السؤال عن الأوصياء ، وفي بعض الأخبار (٤) : «إنما هلك الناس في المتشابه ؛ لأنهم لم يقفوا على معناه ، ولم يعرفوا حقيقته فوضعوا له تأويلا من عند أنفسهم بآرائهم واستغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء فيعرفونهم».
______________________________________________________
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن حمل الكلام على معناه الظاهر ليس تفسيرا أصلا ؛ إذ شيء من المعاني المذكورة للتفسير لا يصدق على حمل الألفاظ على ظواهرها ، فالعمل بالظواهر خارج عن هذه الأخبار ؛ إذ الظاهر لا قناع له ولا سترة.
هذا تمام الكلام في الوجه الأول من الجواب.
وأما الجواب بالوجه الثاني فحاصله : أن المنهي عنه ـ بعد تسليم شمول التفسير لحمل الكلام على ظاهره ـ هو : التفسير بالرأي ؛ إذ المراد بالرأي : هو الاعتبار العقلي الظني الراجع على الاستحسان الذي لا اعتبار به كحمل اللفظ على غير معناه لرجحانه بنظره ، والتفسير بالرأي لا يشمل المقام ؛ إذ لا يكون حمل الكلام على ظاهره تفسيرا بالرأي ؛ لأن هذا الحمل ليس مستندا إلى الأمر الظني الاستحساني ؛ بل مستند إلى العلم بالوضع أو القرينة مما يعتمد عليه أبناء المحاورة في باب استفادة المعاني من الألفاظ.
فالمتحصل : أنه لو سلم إطلاق التفسير على حمل الكلام على ظاهره ، فليس من التفسير بالرأي الممنوع في الأخبار ؛ لأن التفسير بالرأي هو : حمل اللفظ على خلاف ظاهره أو على أحد محتملاته بمجرد الاعتبار الظني والاستحسان العقلي.
(١) تعليل لقوله : «إنما كان منه» أي : لرجحان خلاف الظاهر ـ بنظر من يفسر القرآن برأيه ـ على الظاهر بنظر غيره.
(٢) أي : على حمل المجمل على محتمله ، بمجرد مساعدة ذلك الأمر الاستحساني الظني الذي لا اعتبار به.
(٣) متعلق بقوله : «وإنما كان منه حمل».
(٤) الغرض من نقله بعض الأخبار هو : الاستشهاد على عدم كون حمل اللفظ على ظاهره من التفسير بالرأي ؛ إذ ما ورد في المتشابه من التعليل «بأنهم لم يقفوا على معناه» لا يتأتى في حمل الكلام على ظاهره ؛ لأن المعنى الظاهر مما يقف عليه أبناء المحاورة.