وإن كانت غير بعيدة كما شهد به بعض الأخبار ويساعده (١) الاعتبار ؛ إلا إنه لا يمنع عن حجية ظواهره ، لعدم العلم بوقوع الخلل فيها بذلك أصلا.
ولو سلم ؛ فلا علم بوقوعه في آيات الأحكام والعلم بوقوعه فيها أو في غيرها من
______________________________________________________
وكيف كان ؛ فلا بد من تحرير محل النزاع ؛ لأن التحريف على أقسام ، قسم منه : قد وقع في القرآن باتفاق المسلمين كتحريف القرآن من حيث حمله على غير حقيقته ، كما نرى كثيرا من أهل المذاهب الباطلة الذين قد حرفوا القرآن بتأويلهم آياته على طبق أهوائهم ، وكنقص أو زيادة في الحروف أو الحركات.
وقسم منه : لم يقع باتفاق المسلمين كالتحريف بالزيادة مثل أن يقال : بأن بعض القرآن الموجود ليس من الكلام المنزل من الله تعالى على النبي «صلىاللهعليهوآله».
وقسم منه : قد وقع فيه الخلاف مثل : التحريف بالنقيصة ، بمعنى : أن القرآن الموجود بين أيدينا لا يشتمل على جميع القرآن ، بل قد ضاع بعضه على المسلمين. هذا القسم الثالث هو محل النزاع ولكن المعروف بين المسلمين هو : عدم وقوع التحريف في القرآن.
وقد صرح بذلك كثير من الأعلام كالصدوق «قدسسره» ، حيث عد القول بعدم التحريف من معتقدات الإمامية ، ومنهم الشيخ الطوسي «قدسسره» والسيد المرتضى «رحمة الله عليه» وغيرهم ، نعم ؛ ذهب جماعة من المحدثين من الشيعة ، وعدة من علماء أهل السنة إلى وقوع التحريف.
يقول المصنف : إن «دعوى العلم الإجمالي بوقوع التحريف فيه» أي : في الكتاب العزيز «بنحو ، إما بإسقاط» منه «أو بتصحيف» أي : بتغيير فيه «وإن كانت غير بعيدة كما شهد به بعض الأخبار ، ويساعده الاعتبار» ، ومن الأخبار ما روي عن أمير المؤمنين «عليهالسلام» أنه قال للزنديق : ـ لما أنكر المناسبة بين قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى) ، وبين قوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ)(١) الآية ـ ما مضمونه : أسقط المنافقون من القرآن ـ بين القول : في اليتامى وبين نكاح النساء ـ من الخطاب والقصص أكثر من ثلث القرآن .. الحديث. احتجاج الطبرسي ، ج ١ ، ص ٣٧٧.
(١) أي : وقوع التحريف يساعده «الاعتبار» أي : اعتبار المناسبة بين الآيات ، حيث لا توجد مناسبة وارتباط بين جملتين في بعض آيات القرآن مما يحتمل إسقاط شيء بينهما ، وأوجب ذلك عدم المناسبة والارتباط بين الجملتين من الآية كما ترى ذلك بين الجملتين من الآية المذكورة ؛ إذ قد عرفت : عدم المناسبة بين الشرط والجزاء فيها ؛ لأن الشرط ـ
__________________
(١) النساء : ٣.