.................................................................................................
______________________________________________________
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن اختلاف القراءات بحسب الصورة الثالثة : يوجب الإخلال بجواز التمسك والاستدلال ؛ وذلك لعدم إحراز ما هو القرآن ؛ إذ لا وجه للاستدلال بإحدى القراءتين ما لم تثبت قرآنيتها ، والثابت هو جواز القراءة على طبق كل قراءة كما في بعض الروايات عن الإمام الصادق «عليهالسلام» : «اقرأ كما يقرأ الناس» ، ولا ملازمة بين جواز القراءة وجواز الاستدلال بها. هذا في صورة عدم التعارض بين القراءتين وأما في صورة التعارض ـ كتعارض القراءة بالتشديد والتخفيف في قوله تعالى : (يَطْهُرْنَ) ـ فلا بد من التوقف والرجوع إلى الأصل العملي ، أو العموم حسب اختلاف المقامات.
ومقتضى الأصل في ـ (يَطْهُرْنَ) ـ هو : حرمة المقاربة ، ومقتضى العموم هو الجواز ؛ إذ الأمر يدور بين استصحاب حكم المخصص ـ وهو قوله تعالى : ـ (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ ،) حيث يكون مخصصا للعموم الزماني ـ وهو قوله تعالى : ـ (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)(١) ، وبين الرجوع إلى عموم العام من حيث الزمان ، بناء على أن يكون (أَنَّى) بمعنى الزمان لا بمعنى المكان حتى لا يرتبط بالمقام ، ف (أَنَّى شِئْتُمْ) يفيد العموم من حيث الزمان ، وقد خرج منه زمان الحيض ، فنتمسك به على جواز المقاربة بعد حصول النقاء من الحيض.
أو نستصحب حكم المخصص وهو حرمة المقاربة والجماع عند الشك في بقاء الحرمة بعد النقاء وقبل الغسل ، فيجري استصحاب الحرمة ويحكم بها. هذا معنى قول المصنف : «فلا بد من الرجوع حينئذ إلى الأصل أو العموم ...» الخ. هذا تمام الكلام في حكم الصورة الثالثة.
وأما حكم الصورة الأولى وهي تواتر القراءات من النبي «صلىاللهعليهوآله» فهو : أن كل قراءة بمنزلة آية وتكون القراءتان المختلفتان بمنزلة آيتين ، فربما يقع التعارض بينهما كما في الآية المتقدمة.
وتقريب التعارض بين القراءة بالتشديد والتخفيف : أن مقتضى القراءة بالتشديد منطوقا هو حرمة المقاربة إلى تحصيل الطهارة أي : الاغتسال ، ومقتضى مفهومها : هو جواز المقاربة بعد الاغتسال ، ثم مقتضى القراءة بالتخفيف منطوقا هو حرمة المقاربة إلى
__________________
(١) البقرة : ٢٢٣.