والمتيقن من ذلك : إنما هو فيما إذا كان الرجوع يوجب الوثوق والاطمئنان ولا يكاد يحصل من قول اللغوي بالأوضاع ، بل لا يكون اللغوي من أهل خبرة ذلك ؛ بل إنما هو من أهل خبرة موارد الاستعمال ، بداهة (١) : أن همّه ضبط موارده ، لا تعيين أن أيا منها كان اللفظ فيه حقيقة أو مجازا ، وإلا لوضعوا لذلك (٢) علامة ، وليس ذكره أولا علامة كون اللفظ حقيقة فيه للانتقاض بالمشترك.
______________________________________________________
والإيراد الثاني : ما أشار إليه بقوله : «بل لا يكون اللغوي من أهل الخبرة».
وحاصله : ـ أنه لو سلمنا حجية قول أهل الخبرة ـ أن الرجوع إلى قول اللغوي أجنبي عن الرجوع إلى أهل الخبرة ، ضرورة : أن اللغوي ليس من أهل الخبرة بالأوضاع ؛ بل شأنه ضبط موارد الاستعمال لا تعيين حقائقها ومجازاتها ، فاللغوي خبير بموارد الاستعمال ، من دون أن يميز الحقائق عن المجازات ، فلا يكون اللغوي «من أهل خبرة ذلك» أي : الأوضاع.
وكان الأولى أن يقال : من أهل الخبرة بها ، كما كان الأولى تقديم هذا الإيراد الثاني على الأول ؛ بأن يقال : «ليس اللغوي من أهل الخبرة أولا ، ولم يقم دليل على اعتبار قوله ـ بعد تسليم كونه من أهل الخبرة ـ ثانيا».
(١) تعليل لعدم كون اللغوي من أهل الخبرة بالأوضاع.
(٢) أي : لتعيين الحقيقة من المجاز علامة.
غرض المصنف من هذا الكلام : هو إثبات عدم كون اللغوي خبيرا بالأوضاع ؛ إذ لو كان خبيرا بكل من المعاني الحقيقية والمجازية لكان اللازم وضع علامة لتشخيص الحقائق عن المجازات ، وعدم وضعها له دليل على عدم اطلاعه على الأوضاع.
إن : قلت لعل ذكر المعنى أولا علامة الحقيقة.
قلت : «ليس ذكره أولا علامة كون اللفظ حقيقة فيه».
وحاصل الكلام : أن قوله : «ليس ذكره ...» الخ. إشارة إلى دفع وهم ، فلا بد أولا من توضيح الوهم ، وثانيا من توضيح الدفع.
أما الوهم : فهو أن اللفظ إذا كان له معنى حقيقي ومجازي ، فما يذكره اللغوي أولا هو المعنى الحقيقي ، فتقديم أحد المعنيين أو المعاني بالذكر علامة كونه هو المعنى الحقيقي.
وأما الدفع : فهو أن ذكر أحد المعاني أولا ليس علامة كون اللفظ حقيقة فيه ومجازا في سائر المعاني ؛ لانتقاضه بالمشترك ؛ إذ من المسلم : أن جميع المعاني المذكورة له قد وضع بإزائها اللفظ ، فلو كان المذكور أولا هو المعنى الحقيقي : لزم أن يكون ما عداه من