.................................................................................................
______________________________________________________
وأما بحسب الاصطلاح الأصولي : فيكون التجري مباينا للعصيان ، وكذلك يكون الانقياد مباينا للإطاعة.
وذلك أن التجري في الاصطلاح الأصولي هو : مخالفة القطع غير المصادف للواقع ، أو مخالفة مطلق الحجة غير المصادف للواقع. هذا بخلاف المعصية فإنها عبارة عن مخالفة القطع المصادف للواقع. وكذلك بالنسبة إلى الانقياد والإطاعة ، فالأول : هو موافقة القطع غير المصادف للواقع. والثاني : موافقة القطع المصادف للواقع.
هذا تمام الكلام في الأمر الأوّل.
وأما الأمر الثاني : فنقول : إن مسألة التجري يمكن تكون من المسائل الكلامية ، فيبحث فيها عن استحقاق المتجري للعقاب وعدم استحقاق له ، ويمكن أن تكون من المسائل الفقهية ، فيبحث فيها عن أن الفعل المتجري به هل يكون محرما أم لا؟
ويمكن أن تجعل من المسائل الأصولية ، فيبحث فيها عن أن التجري هل يوجب قبح الفعل المتجري به فيترتب عليه الحكم بالحرمة ، فتقع في طريق استنباط الحكم الشرعي ، فتكون من المسائل الأصولية.
إذا عرفت هذين الأمرين فيقع الكلام في بيان ما هو محل الكلام في المقام فيقال : إن الظاهر هو عدم الخلاف في حجية القطع ، بمعنى : صحة الاحتجاج من المكلف على الشارع في مورد الإطاعة والانقياد ، ومن الشارع على المكلف في مورد المعصية ، وإنما الخلاف في حجية القطع للشارع على المكلف في مورد التجري هل يكون قطعه هذا حجة حتى يعاقب المكلف على المخالفة أم لا؟
بمعنى : أنه كان للشارع أن يحتج به عليه ويعاقبه عند مخالفته لقطعه وإن كان جهلا مركبا. وهناك أقوال :
قال المصنف : إن التجري يوجب استحقاق العقوبة لانطباق عنوان الطغيان والتمرد عليه ، كما أشار إليه بقوله : «الحق أنه يوجبه لشهادة الوجدان بصحة مؤاخذته».
وقال الشيخ الأنصاري : إن التجري لا يقتضي شيئا سوى الكشف عن سوء سريرة الفاعل وخبث باطنه الذي لا يترتب عليه سوى اللوم.
وقيل : باقتضائه لاستحقاق العقوبة على مجرد العزم على العصيان محضا لا على الفعل المتجري به نظرا إلى أن التجري من المحرمات الجنانية لا الجوارحية.
قوله : «قد عرفت إنه لا شبهة في أن القطع يوجب استحقاق العقوبة على المخالفة».