بها ، وقضيته (١) إنما هو وجوب الحذر عند إحراز أن الإنذار بها (٢) كما لا يخفى.
ثم أنه أشكل (٣) أيضا : بأن الآية لو سلم دلالتها على وجوب الحذر مطلقا ، فلا
______________________________________________________
الثاني ، وضمير «بها» راجع إلى معالم الدين.
(١) أي : ومقتضى كون وجوب النفر لأجل التفقه في الدين أنه لا بد من إحراز أن الإنذار كان بما تفقهوا فيه من معالم الدين حتى يجب التحذر ، وليس هذا إلا اشتراط وجوب التحذر بحصول العلم بأن الإنذار إنذار بمعالم الدين.
(٢) خبر «أن الإنذار» ، وضميره راجع إلى معالم الدين.
(٣) هذا إشكال على أصل الاستدلال بالآية بتقاريبها الثلاثة.
وتوضيحه ، يتوقف على مقدمة وهي : الفرق بين الإنذار والإخبار ، وحاصله : أن الإنذار عبارة عن الإخبار المشتمل على التخويف ، المتوقف على فهم معنى للكلام ؛ كي يخوف به ، فالإنذار هو الإبلاغ مع التخويف كما في صحاح اللغة (١). هذا بخلاف الإخبار والحكاية من الراوي ، فإنه عبارة عن نقل الرواية إلى غيره ، من دون إنذار وتخويف.
ثم الإبلاغ مع التخويف يرجع إلى الاجتهاد والاستنباط ؛ إذ لو لم يفهم من الخبر حكما تحريميا أو وجوبيا لم يخوف عليه ، فيختص بالمجتهد والواعظ ، حيث صح أن يقال على وجه الافتاء أو الإرشاد : «يا أيها الناس اتقوا الله في شر الخمر ، فإنه محرم يوجب استحقاق العقاب» ، أو يقال : «من لم يصلّ كان جزاؤه جهنم».
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن الآية المباركة لا تصلح لإثبات حجية الخبر من حيث كونه خبرا ، وإن سلمنا وجوب التحذر مطلقا ، وإن لم يفد الإنذار علم المنذر ـ بالفتح ـ بصدق المنذر بالكسر ـ وذلك لأن شأن الراوي نقل الرواية إلى غيره ، من دون إنذار وتخويف ، والآية إنما تثبت حجية الخبر فيما إذا كان مع التخويف.
ومن المعلوم : أن التوعيد والتخويف شأن الواعظ الذي وظيفته الإرشاد ، وشأن المجتهد بالنسبة إلى العوام ، فالآية لا تدل على اعتبار الخبر بما هو خبر ؛ بل تدل على اعتباره بما هو إنذار.
فالأولى : الاستدلال بها على اعتبار الفتوى والوعظ والإرشاد ، فالتخوف والتحذر يجب على المقلدين عقيب الإفتاء من المجتهدين ، وعلى المتعظين والمسترشدين عقيب الوعظ والإرشاد.
__________________
(١) انظر : الصحاح ٢ : ٨٢٥ ـ نذر ، الفروق اللغوية : ٧٨ / ٣١٠ ، لسان العرب ٥ : ٢٠٣ ـ نذر ، مختار الصحاح : ٣٣٥ ـ نذر.