بفعل ما استقل بحسنه ، إذا قيل باستقلاله ، ولذا أطبق العقلاء عليه ، مع خلافهم في استقلاله بالتحسين والتقبيح ، فتدبر جيدا (١).
______________________________________________________
قيل : بالتحسين والتقبيح.
وقد استشهد المصنف لذلك : بإطباق العقلاء كافة على دفع الضرر المظنون ، مع خلافهم في التحسين والتقبيح العقليين.
فلو كان ملاك حكمه منحصرا بهما لم يطبقوا على الأول ، مع خلافهم في الثاني.
(١) فإن الحق أنهما ضروريان ، وأن من أنكرهما إنما هو لشبهة ، فإن العقلاء لا يكادون يشكون في أن من قتل صديقا له بلا أي جرم فعل قبيحا ، ومن ألقى النار على أطفال أبرياء لتحرقهم فعل قبيحا ، سواء كان هناك شرع أم لم يكن ، وتفصيل الكلام في علم الكلام.
فالمتحصل : أنه قد أجاب الحاجبي عن هذا الدليل العقلي بأنه مبني على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين وقد عرفت عدم الابتناء.
وكيف كان ؛ فالصواب في الجواب هو : منع الصغرى ـ وهي قوله : «أن في مخالفة المجتهد لما ظنه من الحكم الوجوبي أو التحريمي مظنة للضرر».
توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن المراد بالضرر المظنون المذكور في الصغرى : إما هو الضرر الأخروي أي : العقوبة ، وإما هو الضرر الدنيوي أي : المفسدة كالسكر في الخمر ، فهنا احتمالان : الأول : أن يراد بالضرر المذكور فيها العقوبة. الثاني : أن يراد به المفسدة.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه إن كان المراد هو الاحتمال الأول أعني : الضرر الأخروي ، فنقطع بعدم الضرر ؛ لأنه من العقاب بلا بيان وهو مرفوع بحديث الرفع ، أو بحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان.
وإن كان المراد من الضرر هو : الاحتمال الثاني أعني : الضرر الدنيوي ، ففيه : أن الحكم لا يلازم الضرر الدنيوي الشخصي ، ففي بعض الأحكام الواجبة أضرار شخصية ؛ كدفع الزكاة ، وفي بعض الأحكام المحرمة منافع شخصية ، كالقمار بالنسبة إلى الرابح ، والربا بالنسبة إلى الآخذ ، وحينئذ : فالظن بالحكم لا يلازم الظن بالضرر. هذا تمام الكلام في منع الصغرى.
توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».