الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)(*) ، وليكون حجة على من ساءت سريرته وخبثت طينته ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة كيلا يكون للناس على الله حجة ، بل كان له حجة بالغة.
ولا يخفى (١) : أن في الآيات والروايات ، شهادة على صحة ما حكم به الوجدان
______________________________________________________
من ساءت سريرته».
ويمكن أن يقال : بعدم ترتب الفائدة الثانية على بعث الرسل ؛ إذ المفروض : كون الشقاوة ذاتية ، والذاتيات ضرورية الثبوت للذات ، فيمتنع زوال الخبث الذاتي بإرسال الرسل ، فتنحصر فائدة البعث في انتفاع المؤمن ، وتلغو بالنسبة إلى الكافر والعاصي ، وهذا مخالف لضرورة من الدين.
إلا أن يقال : إن المراد بالذاتي هو المقتضي لا العلة التامة ، ومن المعلوم : أن الأثر يترتب على المقتضي عند عدم المانع ، ومع قدرة المكلف على إيجاد المانع ينتفع الكافر والفاسق أيضا ببعث الرسل ، فلا تلزم لغوية الفائدة الثانية.
(١) أي : يشهد ما في الآيات والروايات على صحة ما حكم به الوجدان من حرمة التجري والعقاب عليه ـ كحرمة المعصية والعقاب عليها ـ لوحدة المناط فيهما ، وهذا الكلام من المصنف إشارة إلى ما أفاده الشيخ الأنصاري في الرسائل من حرمة التجري بالقصد إلى المعصية حيث قال : «نعم ؛ لو كان التجري على المعصية بالقصد إلى المعصية فالمصرّح به في الأخبار الكثيرة العفو عنه ؛ وإن كان يظهر من أخبار أخر العقاب على القصد أيضا ...» (١) الخ ، وحاصل ما أفاده الشيخ «قدسسره» أن التجري على قسمين :
القسم الأول : هو التجري من حيث العمل.
القسم الثاني : هو التجري من حيث القصد ، وهنا طائفتان من الأخبار ، فالمصرّح به في طائفة منها : هو عدم العقاب ؛ إذ يكون مضمون هذه الطائفة : أن من قصد المعصية ثم لم يفعل لا يعاقب على قصده ، ومن قصد ثم عصى يعاقب عقابا واحدا.
وطائفة منها تدل على عقاب التجري بالقصد. ويذكرها الشيخ «قدسسره» واحدا بعد واحد إلى أن يقول : ويؤيده قوله تعالى : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ)(٢) فلا بدّ أوّلا من ذكر هذه الطائفة من الأخبار مع توضيح دلالتها
__________________
(*) الذاريات : ٥٥.
(١) فرائد الأصول ١ : ٤٦.
(٢) البقرة : ٢٨٤.