استدل على استحقاق المتجري للعقاب بما حاصله : أنه لولاه مع استحقاق العاصي له يلزم إناطة استحقاق العقوبة بما هو خارج عن الاختيار ، من مصادفة قطعه الخارجة عن تحت قدرته واختياره مع بطلانه وفساده ؛ إذ (١) للخصم أن يقول : بأن استحقاق العاصي دونه (٢) إنما هو لتحقق سبب الاستحقاق فيه (٣) وهو (٤) مخالفته عن عمد
______________________________________________________
على عصيانه. ومنافيا لمقتضى العدل والحكمة.
و «الثالث» : وهو استحقاق من صادف قطعه الواقع للعقاب دون من لم يصادف قطعه الواقع ، وهذا أيضا باطل ؛ لاستلزامه العقاب بما هو خارج عن القدرة والاختيار وهو المصادفة ، والعقاب بأمر غير اختياري قبيح ومناف لمقتضى العدل ، فالمتعين هو الأول وهو : أن كليهما يستحق العقاب ، فتعيّن المصير إلى استحقاق كليهما له وهو المقصود.
وحاصل ما أفاده المصنف : أنه لا حاجة ـ مع حكم الوجدان والآيات والروايات باستحقاق المتجري للعقاب ـ إلى التشبّث بهذا الدليل العقلي الذي هو باطل في نفسه ، كما سيأتي بيانه.
(١) تعليل لقوله : «بطلانه وفساده» ، وهذا شروع في الجواب عن الدليل العقلي ، وقد أجاب عنه بوجهين ، أشار إلى أولهما بقوله : «إذ للخصم» وحاصله : ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٤ ، ص ٦٤» ـ : أنه يمكن الالتزام باستحقاق من صادف قطعه الواقع للعقاب دون من لم يصادف ، يعني : أن العاصي يستحق العقوبة دون المتجري.
توضيحه : أن سبب استحقاق المؤاخذة مؤلف من أمرين :
أحدهما : قصد المخالفة والطغيان عن علم وعمد.
والآخر : مصادفة قطعة للواقع.
والأول أمر اختياري ، والثاني غير اختياري ، ولا ضير في استحقاقه للعقوبة ؛ إذ الأمر غير الاختياري الذي يمتنع إناطة استحقاق العقاب به هو ما يكون بتمامه غير اختياري لا جزؤه ، فإذا كان السبب مركبا من أمر اختياري وغيره فلا مانع منه ، ومن المعلوم : أن العلة في المعصية الحقيقية بكلا جزأيها متحققة ؛ بخلاف التجري ، فإن الجزء الثاني ـ وهو المصادفة ـ غير متحقق فيه ، وإن كان عدم تحقق فيه خارجا عن اختياره ، فلا وجه لاستحقاقه العقاب ، وعدم العقاب على أمر غير اختياري ـ وهو عدم المصادفة للواقع ـ لا قبح فيه ، فهذا الدليل العقلي قاصر عن إثبات استحقاق المتجري للعقاب.
(٢) أي : دون المتجري.
(٣) أي : دون المتجري.
(٤) أي : سبب الاستحقاق مخالفة العاصي عن عمد واختيار.